في أحدث اجتهادات تعريف إسرائيل صهيونياً
ثارت في إسرائيل، في الأيام القليلة الماضية، ضجّة لم تهدأ بعد حول تصريحات أدلى بها "وزير شؤون الشتات"، نحمان شاي، من حزب العمل، ذكر فيها أن وزارته لا تعمل بتاتًا على تشجيع هجرة اليهود من العالم إلى إسرائيل، وذهب إلى أبعد من ذلك حين قال إن "الدولة لم تعد في حاجةٍ إلى هجرة يهودٍ إليها لكونها قوية بما فيه الكفاية، وتمتلك كل ما تحتاج إليه كي تحمي نفسها". وسارع منتقدو الوزير إلى اتهامه بأنه يتبنّى بهذا مواقف "ما بعد صهيونية"، وشدّدوا على أن مسألة هجرة اليهود ينبغي أن تبقى إلى الأبد في صلب غايات الصهيونية والحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، بدافع عوامل كثيرة، يظلّ أبرزها الزيادة غير الكبيرة في نسبة السكان اليهود في إسرائيل، والتي تعزوها مصادر رسمية إلى هبوط عدد المهاجرين اليهود إليها من الخارج، وزيادة الهجرة منها. وتكرّرت، في نطاق حملة الانتقاد، مقولة إنه لولا الهجرة لما كانت هناك "أغلبية يهودية في دولة إسرائيل"، ناهيك عن التلويح بشعاراتٍ أخرى تعكس ملامح الهوس الديمغرافي الذي ما انفكّ ممسكًا بتلابيب المجتمع الإسرائيلي.
رفض الوزير نفسه الانتقادات الموجهة إليه، وأبدى، على وجه الخصوص، امتعاضه الشديد من وصف مواقفه بأنها "ما بعد صهيونية"، مؤكدًا أنها مواقف صهيونية قلبًا وقالبًا، ولكن من الصنف الذي يتجدّد تبعًا للظروف والتحوّلات، من دون أن يتخلّى عن المُسلّمات التقليدية، وفي مقدمتها ترسيخ الدولة اليهودية من الناحية الجوهرية. تضعنا هذه الضجة في ثنايا أحدث الاجتهادات الرامية إلى تعريف إسرائيل من جديد، في ضوء تشكّل حكومة جديدة فيها منذ أكثر من شهر، إثر 12 عامًا متتالية تولّى فيها حزب الليكود سدّة الحُكم. وأول ما تُحيل إليه أنه ليس ثمّة خلاف عمودي بين الجانبين، سواء الذي يؤكد صهيونيته أو الذي يُتهم بأنه "ما بعد صهيوني"، بشأن هذا التعريف، وبالأساس وفقًا للرؤية الصهيونية التقليدية التي تعتبر أنها "دولة قومية لليهود في شتّى أرجاء العالم"، ولا تزال تعتبرها كذلك وصولًا إلى سنّ قانون ذي صفة دستورية بهذا الصدد. لعلّ الفارق الوحيد أن الوزير يعيد إلى الواجهة أهميةً مُستدامةً لإحدى سمات الحركة الصهيونية منذ تأسيسها، وهي سمة التحالف مع دولةٍ عظمى خارج منطقة الشرق الأوسط، والمقصود بها الولايات المتحدة. غير أنه في هذه النقطة بالتحديد يطرح الوزير، بمقاربةٍ قد تكون مُستحدثة، أن هناك دورًا مُعوّلًا أكثر فأكثر على اليهود الأميركيين في توثيق عرى هذا التحالف، وخصوصًا في مواجهة الرياح الجديدة التي تهبّ على تلك الدولة العظمى، وعكست نفسها ببريقٍ أخّاذ خلال الهبّة الفلسطينية أخيرا، وما تضمنته من عدوان عسكري إسرائيلي على قطاع غزّة. بكلمات أخرى، قد يكون هذا المنظور أوسع لتعريف إسرائيل الآن.
من بين ما ركّز عليه الوزير، وهو عميد سابق في الجيش الإسرائيلي، أن أمن إسرائيل مرهونٌ بالمساعدات العسكرية الأميركية، وبتأييدها السياسي والاقتصادي، وأن ما حدث على هذا الصعيد في الفترة الماضية لم يسبق أن شهدته العلاقات بين الدولتين إطلاقًا، حيث بادر قادةٌ من الحزب الديمقراطي إلى الدفع بمبادراتٍ تهدف إلى منع تزويد إسرائيل بالأسلحة. ومما كتبه: "بعد خمسة أعوام ينتهي مفعول اتفاق التفاهمات بين إسرائيل والولايات المتحدة، وبفضل هذا الاتفاق تحصل إسرائيل على نحو أربعة مليارات دولار سنويًا. هذا المبلغ هو بمنزلة استثمار أميركي في أمن إسرائيل واستقرار الشرق الأوسط. ومن يتعقّب ما يحدث في الولايات المتحدة لا بُد من أن يلحظ أصواتًا جديدة تتعالى من صفوف الحزب الديمقراطي (الحاكم). وتجد إسرائيل نفسها تحت سيل انتقادات من قدامى قادة الحزب، مثل بيرني ساندرز وإليزابيث وورن، وكذلك من الأجيال الشابة. وخلال المواجهة العسكرية أخيرا في غزة، طالب مناهضو إسرائيل الآخذ نفوذهم بالتعزّز بعدم تزويدها بالسلاح"! في مجرّد هذا ما يؤشّر إلى "سيناريو رعب" يقع عبء مواجهته على يهود أميركا.