غلاء الأسعار وإفلاس الأفكار

28 مارس 2022

(سارة شعّار)

+ الخط -

معلومٌ أنّ خفض العملة المصرية جاء تحت ضغوطٍ شديدةٍ فاقمتها الأزمة الأوكرانية، وما استتبعته من ارتفاع أسعار النفط والقمح على مستوى العالم، فيما كان الاقتصاد المصري يعاني أصلاً بشدّة لتوفير العملة الأجنبية، على خلفية تراجع مصادرها الأساسية من السياحة وتحويلات العاملين في الخارج ورسوم المرور عبر قناة السويس. وفي المقابل، شهدت السنوات السبع الماضية تضخّماً مستمرّاً في معدلات الإنفاق الحكومي على مشروعات كبيرة الحجم، لكنها بلا مردود إنتاجي أو حتى مالي مباشر. لذا، لم يتمكّن الاقتصاد المصري من الصمود أمام التداعيات المباشرة والعاجلة لأزمة أوكرانيا، التي منها خروج ثلاثة مليارات دولار من رؤوس الأموال والاستثمارات الأجنبية في الأسبوع الأول وحده من شهر مارس/ آذار الجاري. ولم يكن الاقتصاد المصري قد تعافى بعد من تداعيات جائحة كورونا، التي خفّف من وطأتها عليه تدفق مساعدات استثنائية حصلت عليها مصر من المؤسسات المالية الدولية، ومن بعض الدول.
المعنى أنّ أزمة أوكرانيا، كما الإغلاق العالمي بسبب كوفيد – 19 قبلها، كاشفة، وليست مُنشئة لحالة التردي في الاقتصاد المصري. بالتالي، تتطلب عملية إنقاذ الاقتصاد المصري ووضعه على الطريق الصحيح مقومات وإجراءات لا تزال بعيدة عمّا يجري فعلياً في مصر، سواء من منظور نجاعة السياسات وفعالية الإجراءات الاقتصادية التي تتخذها الدولة، أو بالنسبة إلى طريقة الدولة ككل، التي أصبحت شديدة المركزية والدكتاتورية في القرار. ويتجلى هذان البعدان في تكرار اتخاذ قرارات مفاجئة غير متوقعة أو في غير توقيتها ولا سياقها المناسب، ما يسبّب، في كل مرّة، هزّة عنيفة واضطراباً شديداً في مختلف مكونات الاقتصاد المصري، من المنتجين المحليين أو المستوردين أو المصارف والشركات المالية، فضلاً بالطبع عن المستهلكين، فيما يؤكد مراراً حالة الانعزال عن المجتمع والنظرة الوصائية للسُّلطة على الشعب.
وكما حدث بالضبط عند خفض قيمة الجنيه المصري بشكل مفاجئ وحاد عام 2016، اشتعلت الأسعار وبلغ التضخم مدىً هوى بقطاعات واسعة من الطبقة المتوسطة إلى الطبقة الفقيرة. وتكرّر أيضاً عدم اتخاذ الحكومة أيّ إجراءات، لا مُسبقة ولا لاحقة، لتطويق المخاطر السلبية المترتبة تلقائياً، وتحديداً ما يتعلق بارتفاع أسعار معظم السلع والخدمات. وهي نتيجة شبه مؤكّدة، وسبق تكرارها مرّات كثيرة في السنوات الأخيرة، فما إن تخفض الحكومة قيمة الجنيه، أو حتى تلوّح بهذا، يبادر التجار وأصحاب المصانع والشركات العاملة في مختلف المجالات برفع أسعار المنتجات والسلع، محلية أو مستوردة.
تركّز إدارة السلطة المصرية الاقتصاد والتحديات التي تواجهه على ملاحقة العجوزات المالية وتعويض الخلل النقدي بالديون، لا بزيادة الموارد الحقيقية، أي الإنتاج، وبالتالي تبنّي سياسات واتخاذ قرارات جزئية تعالج الأعراض، لا الأسباب. ثم وهي تسير في ذلك الطريق الخاطئ القائم على حلول جزئية وشكلية، تتجاهل التداعيات والأعباء التي تضيفها على عاتق الشعب المنهك أساساً بالفقر وشحّ الموارد.
المفترض أنّ الغاية النهائية من أية قرارات مهمة، اقتصادية أو سياسية، تلبية مطالب المواطنين وطموحاتهم، والارتقاء بمستوى المعيشة بمختلف مكوناته، أو على الأقل مواجهة الأزمات والتحدّيات بأقل قدر من الخسائر والأعباء. غير أنّ تعاطي السلطات المصرية مع المصريين لا يفي بأيٍّ من تلك المقومات، كما لو كان المصريون هم السبب الأصيل والدائم وراء كلّ المشكلات والأعباء الاقتصادية. وهو ما يرشح أحياناً بصراحة على لسان كبار المسؤولين في الدولة، بل ومن أعلى رأس فيها. ومن ثم، حين ينتحر المنطق، وتتعاكس النتائج مع المقدّمات، يصير منطقياً تماماً أن تغلق السلطة أعينها وتصمّ آذانها عن أيّ تداعيات أو تبعات سلبية لقراراتٍ هي تتخذها لمعالجة مشكلاتٍ أوجدتها هي، أو عجزت عن حلها.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.