غضب وتحكّم
يعرّف علم النفس الغضب بأنه "عاطفة إنسانية شائعة تتميز بإحساس قوي بالاستياء والاستثارة النفسية الزائدة مع الرغبة في إلحاق الأذى بالغير، وذلك من خلال تحفيز المشاعر العدوانية، سعياً إلى الانتقام، فعندما يشخّص دماغنا العاطفي وجود تهديد خارجي، ما قد يمسّ سلامته أو مكانته في المجتمع، فإنه يطلق تأثيراً متسلسلاً في أجسادنا قد يؤدّي إلى الاستجابة الفورية بالعنف اللفظي أو الجسدي". وعادةً ما يكون الغضب بسبب اعتداء حقيقي أو متخيّل، ويتفاوت الأفراد بطبيعة الحال في أنماط غضبهم وطرق التعبير عنه بحسب اختلاف شخصياتهم، المحظوظ منهم من يمتلك آليات وأدوات التحكّم بغضبه وأحكام عقله، قبل الإقدام على تصرّف طائش متهوّر سوف يندم عليه لاحقاً.
هذا النموذج الذي يتسم بالحكمة والحلم والتأنّي والعقلانية هو الأكثر نجاحاً وتقدّماً وتمكّناً في الحياة، جرّاء قدرته على لجم مشاعره الثائرة، ما يجنّبه ارتكاب الأخطاء في المواقف التي تعترضه في الحياة، فيخرُج منتصراً في كل مرّة غير معرّض للندم، لأنه، ببساطة، يحكم عقله ويسلمه مقاليد التصرّف فيحتفظ بهدوئه وثباته الانفعالي، مهما بلغت درجة الاستفزاز التي يواجهها، ويمكن اعتبار هذا النموذج المتّزن فائق الندرة، خصوصاً بين شعوب المنطقة العربية المعروفة بعاطفيتها وسرعة تأثرها واندفاعها العاطفي وردود افعالها المتسرعة، غير أن الأكثرية منا غالباً ما تفقد السيطرة على سلوكها في لحظات الغضب، فتبدي ردود فعل عنيفة تجاه المشكلات الصغيرة، مثل تحطيم الأشياء والصراخ واللجوء إلى العنف وسيلة وحيدة للدفاع عن النفس، وقد قيل في الموروث "الغضب يردي صاحبه ويبدي معايبه، وهو نار موقدة من كظمه أطفأها ومن أطلقه كان أول من يحترق بها، إياك والغضب، فأوله جنون وآخره ندم". وهو كفيل حين الوقوع في براثنه بتدمير العلاقات الإنسانية وتشويهها، فيسود الجفاء والقطيعة والحقد والكراهية، ويؤدي إلى الاكتئاب والعزلة والانسحاب، فحين نتيح لمشاعر الغضب السلبية المؤذية أن تتحكّم بنا، وأن توجّه تصرّفاتنا، سنصل حتماً إلى مرحلة الإساءة للآخرين وتجريحهم وتحقيرهم، ما يجعل عودة العلاقات من مودة واحترام ومحبّة ورحمة ضرباً من المستحيل. وبحسب خبراء، هناك تأثيرات بدنية جسيمة، يُحدثها الغضب، مثل زيادة في معدّل ضربات القلب وضعط الدم ومستويات الأدرينالين، إذ يفقد الواحد منا حينها القدرة على التفكير السوي، ما قد يؤدّي، في أحيان كثيرة، إلى ارتكاب الجرائم العنيفة التي تُفضي إلى أقصى العقوبات. ويقسم علماء الغضب إلى أنواع، منها الكامن والصريح والمزمن. ولعل الكامن هو أخطرها، لأنه يقتات من دواخلنا وينهك أرواحنا.
من هنا، لا مناص من محاولة التخلص منه أياً كان نوعه، أما التحكّم بالغضب فهو تحدٍّ كبير يتطلب استعداداً ورغبة حقيقية في تطوير الذات وتحسين أدائها، كما يقدّم مختصّون جملة نصائح من شأنها تحقيق ذلك، مثل ممارسة التمارين الرياضية، الحصول على فترة استراحة من الضغوط اليومية، تدريب النفس على التخفّف من الضغائن، تمارين التنفّس العميق، العزلة، السفر، التأمل، وغيرها من وسائل مكابدة النفس وتهذيبها وترويضها.
قد تبدو الاقتراحات السابقة لبعضهم عصيةً على التطبيق على أرض الواقع، ولا تعدو كونها نوعاً من التنظير والفلسفة غير المجدية التي يعتمدها خبراء التنمية البشرية في تسويق بضاعتهم من المفردات المنمّقة. وهذا طرح غير منطقي، يتعارض مع طبيعة البشر القابلة للتغيير، في حال توفر الوعي الكافي والقدرة على مراجعة الذات ومحاسبتها، كلّنا معرّضون، لسبب أو لآخر، للوقوع في فخ الغضب، فالحياة مليئة بالتعقيدات والمفاجآت غير السارّة. من هنا، علينا أن نحرص على عقولنا يقظة حاضرة في كل المواقف والحالات، من باب الارتقاء بإنسانيتنا وأناقة أرواحنا، لا سيما في لحظاتها المظلمة حالكة السواد، لعل وعسى.