"عَ أمل"... صوت المرأة المقموعة

01 ابريل 2024
+ الخط -

يتناول المسلسل اللبناني "عَ أمل"، من تأليف كاتبة السيناريو نادين جابر، قضية المرأة من منظور نسوي مدرك عمق معاناتها، فيسلّط الضوء على مظاهر الظلم والاضطهاد والتسلط والعنف الأسري، التي تتعرّض لها الأنثى منذ طفولتها، من  العائلة والمجتمع في بعض المناطق المحافظة المنغلقة في لبنان. ويُشكّل العمل الاستثنائي، المشارك في سباق الموسم الرمضاني الحالي، نقطةَ تحوّلٍ مهمةً في مسار الدراما اللبنانية، وإنْ لم يخرج بالمطلق من عباءة الدراما السورية، إذ أُوكل الإخراج إلى السوري المبدع رامي حنّا الذي قدّم للدراما العربية أعمالاً عدّة نوعية، باقية في الذاكرة، كما شارك في المسلسل بدوريْن ثانويين، لم يضيفا شيئاً يذكر إلى العمل، ممثلٌ وممثلةٌ، سوريان، لا يصنّفان ضمن ممثلي الصف الأول في سورية.
انطلاقاً من قصة "يسار"، المذيعة النسوية الشهيرة الكارهة للرجال، المكرّسة مسيرتها الإعلامية لمساندة المرأة ورفع الظلم عنها، ينفتح النصّ على ابنة أسرة محافظة تتمرّد على تسلط أخيها وزوجها، اللّذين ظنّا أنهما نجحا في قتلها والتخلص من جثتها بإلقائها في النهر، إلا أنها تنجو بأعجوبة من مصيرها، وتهرب إلى بيروت حيث تخضع لعملية جراحية تجميلية تغيّر ملامحها بالكامل، وتتيح لها تحقيق طموحاتها وأحلامها بهوية جديدة، غير أنها لم تتمكن من قطع صلتها بالماضي لأن ابنتها ما زالت تعيش في كنف تلك الأسرة الظالمة التي تحرم النساء حقّ التعليم والعمل والتعبير، وقد أبدع الممثل اللبناني عمار شلق في تجسيد شخصية "سيف"، قاتل شقيقته، المتجبّر والمنغلق، والمستبد بزوجاته الثلاث، والظالم لبنات العائلة المستلبات الإرادة، اللّواتي يتعرّضن للضرب والإهانة والتعنيف والتحقير، كما أثبتت الممثلة ماغي بوغصن جدارتها ممثلة مقنعة متمكّنة رغم إشارة بعضهم إلى استفادتها من كونها زوجةً لمنتج المسلسل جمال سنان. قد يكون هذا صحيحاً، لكنه لا ينفي كفاءتها واستحقاقها ممثلةً من وزن ثقيل، عملت بجد على  تطوير أدواتها، وفرضت وجودها في الساحة موهبةً حقيقيةً لا يمكن تجاهلها، فجسّدت شخصية "يسار"، المرأة القوية المستقلة المتحرّرة القادرة على التأثير والتغيير، من خلال توعية النساء بحقوقهن، وتحريضهن على الانتصار لذواتهن وتحقيق أنفسهن، وكذلك شخصية "سهاد"، الفتاة المظلومة المستلبة المقهورة التي تمرّدت على واقعها ودفعت الثمن باهظاً، لتولد من جديد بشخصية "يسار"، الإعلامية الناشطة المدافعة الشرسة عن حقوق المرأة، المتبنّية قضاياها في الحرية والعدل والمساواة.
تفاوتت نماذج الرجل في النصّ، فلم تقتصر على النموذج السلبي ممثلاً بسيف، الذكوري متحجر القلب، فجاءت شخصية "جلال" التي جسّدها ببراعة الممثل بديع أبو شقرا، لتحقق التوازن المطلوب ولتؤكّد عدم وقوع الكاتبة في فخ التعميم والتنميط الذي تنتهجه بعض النسويات المتعصبات، فقدّم نموذج الرجل المثقف الحضاري الذي يرى في المرأة ندّاً جديراً بالاحترام، وهو المناصر لقضية المرأة ولحقها في الحياة الحرة الكريمة. جماليات عدّة ينطوي عليها مسلسل "عَ أمل"، على صعيد الإخراج المنتبه إلى كل التفاصيل، والنصّ المكثّف المتماسك المشوّق، والموسيقى التصويرية المشغولة بعناية، والمعبّرة ببلاغة عن المواقف الدرامية، وكأنها جزء من الحوارات والأزياء التي لامست ملامح الواقع بدقة بالغة، من دون مبالغاتٍ أو محاولات إبهارٍ بصرية لا طائل منها. من هنا، يمكن القول إن العمل مكتمل العناصر الفنية، وهو بحقّ عمل جاد هادف توعوي، بعيد عن الخطاب الوعظي المباشر، وجدير بالمتابعة والإشادة. تحية لفريق العمل الذي أمتعنا وحفّز النساء على مواجهة الظلم والتصدّي للظالم، والتمسّك بحقهن المشروع في الحياة، لأنهن الحياة.

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.