عن غياب معارضة إسرائيلية جوهرية لسياسة نتنياهو
مع اقتراب تسلّم بنيامين نتنياهو رئاسة حكومة إسرائيلية جديدة، لتكون حكومته السادسة، تنبغي الإشارة إلى أنّ الوقائع التي رافقت كلّ معارك الانتخابات التي جرت لإطاحته منذ عام 2019 أكدّت أنّ أي زعيم سعى إلى الجلوس مكانه لم يعرض فكرة متبلورة خاصة به حيال السياسة الخارجية، خصوصاً في العلاقات مع إيران، أو تسوية القضية الفلسطينية، لا من اليمين ولا من الوسط أو "اليسار" فيائير لبيد وأفيغدور ليبرمان ونفتالي بينيت وبيني غانتس وجدعون ساعر وميراف ميخائيلي، وإلى حدّ ما زعماء حزب ميرتس، يكرّرون، من ناحية جوهرية، الشعارات ذاتها التي وضعها من يطلبون الحلول محله، ما عنى أن موقف نتنياهو بقي المحور المركزي، وأنّ ثمّة غياباً لمعارضة قوية في وسعها أن تعرض بدائل فكرية حقيقية في جملةٍ من مواضيع السياسة الخارجية المهمة.
وهذا ما سبق أن لفت نظر صحيفة هآرتس قبل أكثر من أربعة أعوام، حين كتبت في 10/5/2018 مقالاً افتتاحياً تحت عنوان "لا توجد معارضة في إسرائيل"، جاء فيه أنّ ردات الفعل من معظم الخصوم السياسيين لرئيس الحكومة، ولا سيما زعماء المعارضة، على إعلان ترامب (الرئيس الأميركي آنذاك) الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران كانت مثل ظلٍّ شاحب مقارنة بمواقف نتنياهو نفسه. وخلصت إلى القول إنّ نتنياهو، على مدى أعوام، نجح في أن يجعل موقفه حيال موضوع إيران الموقف الوحيد الذي يُجرى فيه أي بحث، وكلّ الآخرين يسيرون على هذا النهج، يرحبون بهذا الشكل أو ذاك ويتبنّون الرواية بكاملها، وفحواها أنّ إيران هي التجسيد المُطلق للشرّ، والاتفاق معها كان سيئاً لإسرائيل.
وبحسب قراءة معظم محللي الشؤون السياسية في إسرائيل، إبّان انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي مع إيران، كان من الصعب أن تعثر في الساحة السياسية الإسرائيلية على زعيمة أو زعيم نجح في إيجاد بديل مهم ومقنع لموقف نتنياهو في الموضوع الإيراني. وهكذا، مثلاً، كما كتب أحدهم، شرح رئيس حزب العمل لسفراء أجانب في اجتماع معهم في تل أبيب أنّ إسرائيل لن تسمح لإيران بأن تحقق قدرات نووية، ورحّب بحصول جهاز الموساد على وثائق خطرة بشأن البرنامج النووي لنظام طهران. وبذا أثبت أنّ الرسالة هي ذاتها، وإنْ كانت لغة رئيس العمل الإنكليزية أقل إتقاناً، في إلماح إلى أصوله الشرقية.
ولم يكن الموضوع الإيراني الوحيد الذي حدّد فيه نتنياهو النبرة الإسرائيلية العامة. ففي المسألة الفلسطينية أيضاً ثمّة قواسم مشتركة كثيرة، من غير العسير البرهنة عليها. وربما يكفي أن نستعيد، خلال ولاية ترامب، أنّ الموقف العام في موضوع نقل السفارة الأميركية للقدس لدى كتلتي المعارضة "المعسكر الصهيوني" و"يوجد مستقبل" كان الترحيب بالقرار الأميركي، بل ومنذ وصول ترامب إلى الحكم ظهر رئيس الأخيرة لبيد في أكثر من مناسبة يطالب بنقل السفارة إلى القدس، في حين أنّ "ميرتس" يؤيد الخطوة، لكنه يفضل أن تكون "ضمن اتفاق عام مع الجانب الفلسطيني".
كما دعمت كتلتا "المعسكر الصهيوني" و"يوجد مستقبل" مشروع قانون الحكومة القاضي بنهب أموال الضرائب الفلسطينية التي تجبيها السلطات الإسرائيلية عند المعابر الدولية على البضائع الواردة إلى مناطق السلطة الفلسطينية، بقصد حسم أموال بحجم المخصصات نفسها التي تدفعها السلطة إلى الأسرى في سجون الاحتلال وعائلاتهم وإلى عائلات الشهداء، وهي خطوةٌ من شأنها أن تشكل ضربة لميزانية السلطة (جرى الحديث عن نهب نحو 340 مليون دولار سنوياً)، وكان أول المبادرين إلى هذا القانون حزب "يوجد مستقبل" من خلال النائب إليعيزر شتيرن. كما أيّد هذا الحزب سريان قانون التعليم العالي الإسرائيلي على معاهد قائمة في المستوطنات، ومن ضمنها الجامعة في مستوطنة أريئيل.
ليس المقصود التقليل من خطورة حكومة نتنياهو السادسة، وإنما عدم التعويل على أنّ ثمّة معارضة جوهرية لها في ما يتعلق بسياستها الخارجية عموماً، وإزاء قضية فلسطين خصوصاً.