25 اغسطس 2024
عن حافظ الأسد نتحدّث
صادفت، يوم 10 يونيو/ حزيران الجاري، الذكرى العشرون لوفاة حافظ الأسد؛ الجنرال الذي حكم سورية، وأرعبها، وآلمها، وقلب عاليها سافلها، وأورثها لعائلته، وأوصلها، أخيراً، إلى حافّة الهلاك. كان وصوله إلى رأس السلطة في سورية نتيجة سلسلة من الصراعات على سورية؛ الدولةِ الصغيرة، الضعيفة، الخارجة قبل وقت قصير من تحت الانتداب الفرنسي الذي جاء نتيجة تفكك السلطنة العثمانية، وتقاسم الدول الأوروبية المنتصرة في الحرب العالمية الأولى بعضَ أراضيها، ومنها الدولة التي عرفت باسم سورية.
استُفتح عهد الاستقلال السوري، كما هو معروف، بسلسلة من الانقلابات العسكرية، حسني الزعيم، وسامي الحناوي، وأديب الشيشكلي، ولم تكن الوحدة مع مصر (1958) سوى مرحلة انقلابية ألغيت فيها الحياة السياسية، وحُلت الأحزاب، وجرى خلالها عدوان سافر على الملكيات الصناعية الخاصة تحت مسمّى التأميم، ولم يكن الحاكم في دولة الوحدة الجيش، ولا السلطات المدنية، بل المخابرات المتمثلة بالمكتب الثاني. وأما الواجهة الخارجية فتمثلها شخصية جمال عبد الناصر.. ومع وقوع الانفصال في أواخر 1961، عادت البلاد السورية إلى مهبّ الريح، منتظرةً حسم الصراع على السلطة بين القوميين وبقية الاتجاهات السياسية. وكان من الطبيعي أن تنتصر التيارات القومية، بسهولة، لأن الجيش السوري كان عامراً بضباط قوميين أقوياء، قادرين على محاصرة الإذاعة السورية وقراءة البيان رقم 1.. نستنتج من هذا أن وثوب القوميين إلى السلطة، في الثامن من مارس/ آذار 1963، لم يكن هو الآخر سوى انقلاب عسكري، ولكنه مؤدلجٌ هذه المرة.
إذا سلمنا جدلاً بأن الجيش السوري الذي يقوده حافظ الأسد انتصر في حرب أكتوبر (تشرين) 1973 (وهو لم ينتصر بالطبع)، فإن المرء يستطيع أن يغامر برأيه، فيزعم أن حافظ الأسد كان بطل الهزيمة والنصر في آن، فمن اللقطات التلفزيونية التي كان الإعلام السوري يجترّها يومياً صورةٌ لحافظ الأسد باللباس العسكري وهو يرفع علم سورية في سماء القنيطرة المحرّرة (المهدّمة)، بينما توجد سردية قوية يتبناها طيف واسع من السياسيين السوريين، منهم الكاتب ميشيل كيلو، تقول إن وزير الدفاع يومذاك، حافظ الأسد، أعطى في اليوم التاسع من شهر يونيو/ حزيران 1967 أمراً للجيش السوري بالانسحاب من القنيطرة من دون قتال، قبل اقتراب القوات الإسرائيلية منها. وهناك سردية أخرى تبرئه وتلقى باللوم على قادة الجبهة. ولكن السرديتين تغفلان فكرة مهمة جداً: أن الشيء الطبيعي، والمنطقي، أن تنتصر دولةُ أعدائنا التي تقوم على التخطيط، والعلم، والتحضير الدائم للمستقبل، وتدعمُها دول العالم المتقدّم مجتمعة، وتعدها بالنصر وحده، على المشروع البعثي المتخلف الذي يقوم على الخطابات، والتعييش والتسقيط، والتمييز بين بعثي وغير بعثي، ومصادرة الأراضي الزراعية وتوزيعها على الفلاحين من دون سعي إلى تطوير العملية الزراعية بحد ذاتها، وتأميم المعامل الصناعية وتسليمها لحاملي شهادة أهلية التعليم الابتدائي، وتنتصر كذلك على المشروع الناصري الذي يقوم على الارتجال والمغامرة والخطابة بصوتٍ رخيم، واستبداد عبد الناصر الفرد بكل مقدّرات البلاد، وتجييش الألوف من الأهالي ليهتفوا باسمه إن أخطأ، ويهتفوا باسمه إن أصاب، مع العلم أنهم لا يعرفون ما هو الخطأ في السياسة ولا الصواب.
لم يخجل حافظ الأسد من هزيمة 67، ولم يعطف على رفاقه الشباطيين الذين انقلب عليهم وأودعهم السجون، بل إنه جاء إلى كرسي الحكم بمخطّط استيطاني طويل الأمد، يستند إلى جيشٍ ممسوكٍ بقادة مقرّبين طائفياً، ومؤسّسة أمنية جبارة أشرف على بنائها وتطويرها بنفسه. وسعى إلى بناء مجتمع منقسم إلى طبقتين رئيسيتين: المنتفعين لقاء الولاء، والشعب المسحوق المجبور على دفع ثمن بقائه وسلالته في السلطة مدى الدهر، ويمثل، مع ذلك، دور العاشق الذي كلما زادت آلامه زاد هتافه بعبارة: بالروح بالدم نفديك يا حافظ.
إذا سلمنا جدلاً بأن الجيش السوري الذي يقوده حافظ الأسد انتصر في حرب أكتوبر (تشرين) 1973 (وهو لم ينتصر بالطبع)، فإن المرء يستطيع أن يغامر برأيه، فيزعم أن حافظ الأسد كان بطل الهزيمة والنصر في آن، فمن اللقطات التلفزيونية التي كان الإعلام السوري يجترّها يومياً صورةٌ لحافظ الأسد باللباس العسكري وهو يرفع علم سورية في سماء القنيطرة المحرّرة (المهدّمة)، بينما توجد سردية قوية يتبناها طيف واسع من السياسيين السوريين، منهم الكاتب ميشيل كيلو، تقول إن وزير الدفاع يومذاك، حافظ الأسد، أعطى في اليوم التاسع من شهر يونيو/ حزيران 1967 أمراً للجيش السوري بالانسحاب من القنيطرة من دون قتال، قبل اقتراب القوات الإسرائيلية منها. وهناك سردية أخرى تبرئه وتلقى باللوم على قادة الجبهة. ولكن السرديتين تغفلان فكرة مهمة جداً: أن الشيء الطبيعي، والمنطقي، أن تنتصر دولةُ أعدائنا التي تقوم على التخطيط، والعلم، والتحضير الدائم للمستقبل، وتدعمُها دول العالم المتقدّم مجتمعة، وتعدها بالنصر وحده، على المشروع البعثي المتخلف الذي يقوم على الخطابات، والتعييش والتسقيط، والتمييز بين بعثي وغير بعثي، ومصادرة الأراضي الزراعية وتوزيعها على الفلاحين من دون سعي إلى تطوير العملية الزراعية بحد ذاتها، وتأميم المعامل الصناعية وتسليمها لحاملي شهادة أهلية التعليم الابتدائي، وتنتصر كذلك على المشروع الناصري الذي يقوم على الارتجال والمغامرة والخطابة بصوتٍ رخيم، واستبداد عبد الناصر الفرد بكل مقدّرات البلاد، وتجييش الألوف من الأهالي ليهتفوا باسمه إن أخطأ، ويهتفوا باسمه إن أصاب، مع العلم أنهم لا يعرفون ما هو الخطأ في السياسة ولا الصواب.
لم يخجل حافظ الأسد من هزيمة 67، ولم يعطف على رفاقه الشباطيين الذين انقلب عليهم وأودعهم السجون، بل إنه جاء إلى كرسي الحكم بمخطّط استيطاني طويل الأمد، يستند إلى جيشٍ ممسوكٍ بقادة مقرّبين طائفياً، ومؤسّسة أمنية جبارة أشرف على بنائها وتطويرها بنفسه. وسعى إلى بناء مجتمع منقسم إلى طبقتين رئيسيتين: المنتفعين لقاء الولاء، والشعب المسحوق المجبور على دفع ثمن بقائه وسلالته في السلطة مدى الدهر، ويمثل، مع ذلك، دور العاشق الذي كلما زادت آلامه زاد هتافه بعبارة: بالروح بالدم نفديك يا حافظ.