عن جمهور وفيّ لفريقه

04 ديسمبر 2023
+ الخط -

من أجمل الكتب التي قرأتها عن كرة القدم "لولا فسحة الملعب"، الصادر أخيرا (2023) عن دار أوكسجين في كندا. ركّز فيه المؤلف والمحرر، أدهم عبدالله، على الجمهور (أو اللاعب رقم 12)، والذي قلما يُلتفت إليه في أثناء الحديث عن الساحرة المستديرة. يمتاز الكتاب بوفرة الأحداث وطرافة المواقف التي رواها مشجّعون أوفياء لأنديتهم في أكثر من بلد عربي، وعبر أندية معروفة، كالأهلي والزمالك ومولودية الجزائر والوداد البيضاوي، وبعضها أقلّ شهرة، كالوحدة السعودي وحطّين السوري، ونادي الإمارات التابع لإمارة رأس الخيمة، ونادي الوحدة في مكّة. الكتاب بمثابة عيّنة سردية لأندية عربية شغف جمهورها بها، حد رؤيتها في أحلامهم. كتاب عن أناس من الهامش العربي، أمضوا جزءا وافرا من أعمارهم لأنديتهم، يتهيأون للمباريات تهيّأ من يذهب إلى يوم عيد.
البداية مع النادي الأهلي، ثم نادي الزمالك، حيث قسّم الكتاب إلى ثلاث فقرات: أولها حديث عن تاريخية النادي وسبب تسميته، ثم لقاء مع واحد من الجماهير الأوفياء له، ثم مقاطع من الأغاني عنه. وبذلك يجري الكتاب مسحا لأندية عربية، بعضها معروف وآخر شبه هامشي، ولكن لكل منها جمهورٌ وفيٌّ، يؤجل مناسبات مهمّة في حياته، من أجل حضور المباريات. يبكي ويسهر وينفعل ويحلم من أجل ناديه.
جاء في الكتاب أن هناك ناديين جرى إطلاق التسمية عليهما مصادفة (من ضمن أعرق الأندية العربية، إذا استثنينا النادي الأهلي الذي تأسّس 1911)، وهما مولودية الجزائر الذي قدّم شهداء عديدين في الثورة الجزائرية، حين تصادف البحث عن اسمٍ للنادي مع مناسبة المولد النبوي، فسمّي بالمناسبة (من بين أسماء مقترحة تداولها المجتمعون عام 1921) البرق الرياضي الجزائري، الهلال الجزائري، النجم الرياضي، الشبيبة الرياضية، إلى أن علا صوت مجهول من بعيد وصرخ "المولودية" نسبة للمولد النبوي الشريف المتزامن مع ذلك اليوم". والوداد البيضاوي الذي كانت سبب تسميته أم كلثوم، حيث كان يعرض في يوم اجتماع مناقشة الاسم فيلم "وداد" الذي بطلته سيدة الغناء العربي، وفيه أغنية لها "يا للي ودادي صفالك، أبات أناجي خيالك.." رافقت الاخيتار، ففي أحد الاجتماعات عام 1937 لاختيار الاسم، يتأخّر عضو اللجنة محمد ماسيس، وحين يسأله الزملاء الرفاق عن سبب تأخّره، يجيب إنه كان يشاهد فيلم "وداد"، حتى انطلقت زغرودة من بيت مجاور، فاعتبر ذلك إشارة على أنه اسم النادي".
معظم العبارات التي تردّدت في مونديال قطر مثل "سير. سير. سير" و"جيبوها يا لولاد" هي عبارات ودادية في الأصل. يقول مشجّع، وهو يعمل منجّدا: "يعلم الجميع أن يوم المباراة واليوم الذي يسبقه يومان محجوزان، مع توالي السنوات، صار الكل يحترم ذلك، لقد فوّت مناسباتٍ كثيرة، أفراح المقربين والأصدقاء، وصولا إلى العمل، فأنا أعمل منجّدا، وأنا لا أقبل أي عمل يصادف تسليمه يوم مباراة للوداد، الكثير من المال يضيع بسبب ذلك. لكن، ما العمل؟ حبّ الوداد يأتي أولا".
سنجد أيضا ولعا بأندية تعدّ أقل إنجازا قياسا إلى فرق أقوى. ولكن لديها جمهورها، مثل نادي الوحدة في مكة المكرمة، حيث يعيش قارئ الكتاب مع أحد مشجّعيه الأوفياء، عبد المجيد المجلد، قصة مؤثرة يغلفها الحزن على مستوى ناديه الذي يتواضع حضوره أمام الكبار، مثل ناديي الاتحاد والهلال السعوديين. يقول: "عند التعارف بعد الاسم يسألونك: اتحادي أم أهلاوي؟ فأجيب: وحداوي. ... فيضحكون كأنني أخبرتهم دعابة، وبعد أن يعرفوا أنها ليست نكتة بل جد الجد، يبدأون بتنمرهم ويقولون: فريقكم نكرة، متى فزتم بآخر بطولة؟ متى فزتم علينا؟ ومن هذه الأسئلة التي لا تنتظر جوابا. كنت أغضب جدا ولا أنطق  بكلمة". وهناك أيضا حديث عن نادي حطّين الرياضي باللاذقية الذي تأسس عام 1945 الـ"فقير ماديا ولكنه الغني بمحبيه ومشجّعيه"، رغم أنه لم  يفز حتى بالكأس السورية إلا مرّة واحدة عام 2001.
يختم الكتاب بنظرة موسّعة عن مشجّع وفيٍّ لنادي الإمارات التابع لإمارة رأس الخيمة، "دلوه" الذي مات واقفا، وقد نشأ مع هذا النادي "مذ كانت مدرّجاته خشبية وملعبه ترابيا".

593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
593B5A80-7333-4F6B-AC2C-800C049BDB93
محمود الرحبي

كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية

محمود الرحبي