15 نوفمبر 2024
عن "اتحاد الأدباء والكتاب العرب"
اجتمع كتّابٌ عرب، يمثلون اتحاداتٍ وروابطَ في بلادهم، يضمّها "اتحاد الأدباء والكتاب العرب"، في أبوظبي، ثلاثة أيام الأسبوع الماضي، استمعوا فيها إلى قراءات شعراءَ منهم، وانتدوا في قضايا ثقافية، ثم صدر عن لقائهم، وهو اجتماعٌ للمكتب الدائم للاتحاد، بيانٌ ختامي وتقرير حال الحريات وإعلان أبوظبي. وثمّة إفادة في قراءة الوثائق الثلاث، ليس فقط لأن سطوراً وفيرة فيها تُلملم الهزل والجد معاً، بل لأنها تفضح انكشافاً للاتحاد العتيد (تأسس في 1954)، صار أكثر صراحةً في الإعلان عن نفسه، وعن تابعيّته لأنظمة سياسية حاكمة، وأيضاً عن نزوعٍ تشبيحيٍّ فيه، بات ظاهراً. وإلى الكلام المحمود عن فلسطين وقضيتها، وهو من لوازم تقليدية في بيانات الاتحاد في اجتماعاته ومؤتمراته، يبدو أن متلازمةً مستجدةً سيكون لها حضور مواز لفلسطين في هذه البيانات، وهي قصة التكفيريين والظلاميين وثقافتهم وتنظيماتهم وفتاواهم وقواهم.
لا بأس، فثمّة مهدد حقيقي من هؤلاء يستهدف الراهن والثقافة العربيّيْن، غير أن الأفهام والمدارك ستفترض أن من يدأبون، بهمّةٍ وروح كفاحيةٍ ظاهرتيْن، في التنبيه إلى مخاطر إرهاب التكفيريين وعتمة الظلاميين، تنويريون بإفراط، ولا يشعُّون غير الإلحاح على الحريات والديمقراطية، ومناوأة الاستبداد وأنظمته، ما قد يسوّغ تقريظاً واحتفالاً واجبيْن بهم. ولكن، لنفحص بعض ما نجم عن اجتماع فندق "الشاطئ روتانا" في أبوظبي، وإنْ قليلون من يكترثون بالاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب وبياناته، وأقلُّ منهم من يأخذونهما على محمل الجد. لنقرأ، مثلاً، الإشادة بـ "التجربة التونسية، بدايةً من ريادتها في حدث الحراك الاحتجاجي العربي التاريخي، وصولاً إلى تصحيح مسار الثورة بشكل حضاري، انتهى بانتخاب مؤسساتها الدستورية، من دون الوقوع في فخ العنف والصراع". يرى الكتاب المجتمعون، إذن، أن التونسيين أخطأوا لمّا انتخبوا في أول اقتراع بعد ثورتهم حركة النهضة الإسلامية في مرتبةٍ أولى في المجلس التأسيسي، ثم بادروا إلى "تصحيح" ما ارتكبوا، حين انتخبوا حركةً أخرى للمرتبة نفسها في ثاني انتخابات. والتعقيب على هذا "التنوير" أنه طريفٌ ومحزنٌ معاً، لأن الكلام المذكور فوقيٌّ، ولا يستقيم مع أي قناعةٍ بالديمقراطية، وفيه من فائض الالتحاق بمعسكرٍ معلوم من الأنظمة العربية ما ينبغي أن يكون مخجلاً. وهو التحاق ذيلي يحضر، أيضاً، في "توجيه التحية إلى مصر لما أنجزته من استحقاقات ديمقراطية، ينبغي دعمها وحمايتها، من أجل تحقيق الاستقرار وبناء دولة الحرية والعدل". ولمّا كان الزملاء على هذا الولع بالديمقراطية الحادثة في مصر الآن، فقد كان طيباً منهم لو عطفوا التعبير عن حالهم هذا مزيداً من الغبطة بمقادير الحرية والعدل التي يرفل المصريون في نعيمها، كما توضحها بيانات منظمات حقوقية، دولية مغرضة، ومصرية عميلة.
أما عن سورية، فإن منسوب التنوير الكثيف لدى أصحابنا جعلهم لا يرون أي حقٍّ لشعب هذا البلد في الحرية وتقرير مصيره، ولا يُبصرون أي مسؤولية على نظام الفتك الحاكم هناك في مقتل أزيد من مائتي ألف سوري وهجرة خمسة ملايين آدمي. لا يلحظ بيان اجتماع "الشاطئ روتانا" شيئاً من هذه المحنة، ويقتبس من رطانات الحكم القاتل "ضرورة الحفاظ على تراث سورية، وإدانة كل أشكال التكفير الإرهابي التي تطول وحدة الأرض والشعب". ولأن مثقفين وكتاباً عرباً على هذا الانحياز البائس ضد شعب سورية وحريته، فإنهم يستحقون الدعوة المفتوحة التي وجهها إليهم رئيس اتحاد الكتاب في سورية، في غضون الاجتماع، إلى زيارة دمشق. أما إتيان البيان الختامي على ثقافة المقاومة وعلى العدوان السافر على القنيطرة المحررة، فقد بدت الجديّة فيه شديدة الوطأة، ومشوبةٌ، في الوقت نفسه، بتنكيتٍ شديد الضرورة يسأل عمّا إذا كان أحدٌ منع النظام الذي يتبعه صاحب الدعوة (الكريمة؟) من أن يصير مقاوماً ويصدّ العدوان المذكور. وهنا يتوقف الكلام الشديد الإيجاز.
لا بأس، فثمّة مهدد حقيقي من هؤلاء يستهدف الراهن والثقافة العربيّيْن، غير أن الأفهام والمدارك ستفترض أن من يدأبون، بهمّةٍ وروح كفاحيةٍ ظاهرتيْن، في التنبيه إلى مخاطر إرهاب التكفيريين وعتمة الظلاميين، تنويريون بإفراط، ولا يشعُّون غير الإلحاح على الحريات والديمقراطية، ومناوأة الاستبداد وأنظمته، ما قد يسوّغ تقريظاً واحتفالاً واجبيْن بهم. ولكن، لنفحص بعض ما نجم عن اجتماع فندق "الشاطئ روتانا" في أبوظبي، وإنْ قليلون من يكترثون بالاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب وبياناته، وأقلُّ منهم من يأخذونهما على محمل الجد. لنقرأ، مثلاً، الإشادة بـ "التجربة التونسية، بدايةً من ريادتها في حدث الحراك الاحتجاجي العربي التاريخي، وصولاً إلى تصحيح مسار الثورة بشكل حضاري، انتهى بانتخاب مؤسساتها الدستورية، من دون الوقوع في فخ العنف والصراع". يرى الكتاب المجتمعون، إذن، أن التونسيين أخطأوا لمّا انتخبوا في أول اقتراع بعد ثورتهم حركة النهضة الإسلامية في مرتبةٍ أولى في المجلس التأسيسي، ثم بادروا إلى "تصحيح" ما ارتكبوا، حين انتخبوا حركةً أخرى للمرتبة نفسها في ثاني انتخابات. والتعقيب على هذا "التنوير" أنه طريفٌ ومحزنٌ معاً، لأن الكلام المذكور فوقيٌّ، ولا يستقيم مع أي قناعةٍ بالديمقراطية، وفيه من فائض الالتحاق بمعسكرٍ معلوم من الأنظمة العربية ما ينبغي أن يكون مخجلاً. وهو التحاق ذيلي يحضر، أيضاً، في "توجيه التحية إلى مصر لما أنجزته من استحقاقات ديمقراطية، ينبغي دعمها وحمايتها، من أجل تحقيق الاستقرار وبناء دولة الحرية والعدل". ولمّا كان الزملاء على هذا الولع بالديمقراطية الحادثة في مصر الآن، فقد كان طيباً منهم لو عطفوا التعبير عن حالهم هذا مزيداً من الغبطة بمقادير الحرية والعدل التي يرفل المصريون في نعيمها، كما توضحها بيانات منظمات حقوقية، دولية مغرضة، ومصرية عميلة.
أما عن سورية، فإن منسوب التنوير الكثيف لدى أصحابنا جعلهم لا يرون أي حقٍّ لشعب هذا البلد في الحرية وتقرير مصيره، ولا يُبصرون أي مسؤولية على نظام الفتك الحاكم هناك في مقتل أزيد من مائتي ألف سوري وهجرة خمسة ملايين آدمي. لا يلحظ بيان اجتماع "الشاطئ روتانا" شيئاً من هذه المحنة، ويقتبس من رطانات الحكم القاتل "ضرورة الحفاظ على تراث سورية، وإدانة كل أشكال التكفير الإرهابي التي تطول وحدة الأرض والشعب". ولأن مثقفين وكتاباً عرباً على هذا الانحياز البائس ضد شعب سورية وحريته، فإنهم يستحقون الدعوة المفتوحة التي وجهها إليهم رئيس اتحاد الكتاب في سورية، في غضون الاجتماع، إلى زيارة دمشق. أما إتيان البيان الختامي على ثقافة المقاومة وعلى العدوان السافر على القنيطرة المحررة، فقد بدت الجديّة فيه شديدة الوطأة، ومشوبةٌ، في الوقت نفسه، بتنكيتٍ شديد الضرورة يسأل عمّا إذا كان أحدٌ منع النظام الذي يتبعه صاحب الدعوة (الكريمة؟) من أن يصير مقاوماً ويصدّ العدوان المذكور. وهنا يتوقف الكلام الشديد الإيجاز.