عن "الأسوأ الآتي"
تُجمع التعليقات الغربية حالياً على الاجتياح الروسي لأوكرانيا على الخشية من أن "الأسوأ لمّا يأتِ بعد"، حتى إنّ الاستخبارات الأميركية في التقارير الداخلية التي تسرّبت إلى الإعلام باتت تحذّر من خطر "حشر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الزاوية"، وما قد يجلبه ذلك من ردّات فعل لا تُحمد عقباها.
مخاوف كهذه لها ما يبررها بالاستناد إلى وضع العملية الروسية في أوكرانيا، وقائمة الأهداف التي وضعتها موسكو، مع ربطها بتصريحات سابقة للرئيس الروسي، خلال حوار مع إعلاميين في 2018، حين حذّر من التعرّض إلى مصالح بلاده، وهدّد باستخدام السلاح النووي، غير مكترث لما قد يحمله ذلك من تداعيات على العالم، متسائلاً "لماذا نحن بحاجة إلى هذا العالم إن لم تبق روسيا موجودة؟".
وإذا كانت هذه التصريحات قد قيلت قبل أربع سنوات في ظل توتر سياسي متصاعد بين روسيا والغرب، فإن صداها يتردد اليوم أكثر من أي وقت مضى، مع تحوّل هذا التوتر إلى مواجهة عسكرية، غير مباشرة حالياً على الأقل، بين موسكو والمعسكر الغربي. ومع أن قوات حلف شمال الأطلسي، أو الدول المنضوية تحت رايته، لم تدخل المعركة بعد، إلا أن مخازن أسلحتها المفتوحة للقوات الأوكرانية والراغبين في مواجهة الغزو الروسي، كان لها الأثر الكبير، إلى اليوم، في صدّ التقدم الروسي باتجاه العاصمة كييف، وتكبيد موسكو خسائر، لم تكن على الأرجح في حسبانها مع بداية المعركة. وبحسب التصريحات والتسريبات التي رافقت انطلاق الحرب قبل نحو عشرة أيام، فإن موسكو كانت تخطط للوصول إلى كييف وتعيين حكومة بديلة هناك في فترة لا تتخطى أسبوعاً. غير أن الحسابات الروسية لم تتطابق مع وقائع المقاومة التي أبدتها القوات الأوكرانية.
وكلما تأخر الحسم الروسي ارتفعت المعنويات الأوكرانية، وهو ما يبدو جليّاً في تصريحات الرئيس فولوديمير زيلينسكي، الذي بدّل خلال الأيام الأولى للحرب خطابه من إعلانه الاستعداد للحياد والتراجع عن الانضمام لحلف شمال الأطلسي، إلى تقديم طلب رسمي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، مدفوعاً بمعطيات سياسية وعسكرية تؤشر إلى أن موسكو في موقف لا تحسد عليه.
ولعل مكمن الخطر الأساسي على العالم اليوم هو هذا الموقف الروسي، إذ إن بوتين ينظر حالياً إلى الحملة على أوكرانيا وما يرافقها بأنه معركة وجود حقيقية له كـ"قيصر جديد" ولروسيا كدولة عظمى على الساحة الدولية. وعليه فإن بوتين لن يكون في وارد التراجع عن أي من الأهداف التي وضعها للعملية العسكرية، ولن يتوانى عن استخدام جميع الأدوات التي يملكها للحفاظ على الوجود الروسي.
بوتين اليوم يبدو في وضع مشابه لشمشون في القصة التوراتية، والتي انتهت بهدمه الهيكل على الجميع وفق مقولة "عليّ وعلى أعدائي". هذه المقولة تتطابق تماما مع تساؤل بوتين عن الحاجة إلى العالم إذا لم تكن روسيا موجودة فيه. فالرجل مستعد لتدمير العالم في حال مضى الغرب في خطوات عزل موسكو وإخراجها من المشهد الدولي. وعلى هذا الأساس فإن "الأسوأ قد يكون في الطريق"، والحرب النووية، أو استخدام هذا السلاح، باتا أقرب من أي وقت مضى.
من المؤكد أن هذا التحليل للسلوك الروسي المتوقع يدور في أذهان المسؤولين الغربيين، والذين باتوا قلقين من أخطار المضي أكثر في عزل وإضعاف روسيا. ومن غير المستبعد أن يلجأ الغرب إلى مقايضة ما لمنع الأمور من التدحرج إلى منطقة لا عودة منها، خصوصاً أن بوتين أبدى استعداده لهذه المقايضة، عبر طلب الاعتراف بضم روسيا شبه جزيرة القرم مقابل وقف العمليات العسكرية في أوكرانيا، وهو ما أبلغه للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ولم تعلّق عليه الدول الغربية.
قد يكون هذا المخرج مناسباً للجميع، ومن الممكن أن تلجأ إليه الدول الغربية قبل أن يأتي الأسوأ ويهدم بوتين الهيكل.