عندما يفطن "فيفا" إلى اللغة العربية

05 ابريل 2022

(محمد أوزجاي)

+ الخط -

خبرٌ طيّب وحسن، بل يستحق الاحتفاء، أنّ الاجتماع الثاني والسبعين للجمعية العمومية للاتحاد الدولي لكرة القدم (كونغرس فيفا)، والتي تضمّ 210 اتحادات محلية، اعتمد، في الدوحة يوم الأول من إبريل/ نيسان الجاري، العربية لغةً رسميةً للاتحاد، وهو ما كان رئيس الاتحاد، جياني إنفانتينو، قد أعلن عنه اقتراحاً (في الدوحة أيضاً) في 21 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بالتزامن مع الاحتفال باليوم العالمي للغة العربية. غير أنّ هذا الخبر الحسن الطيّب، كما يجوز التأكيد والتكرار، يستثير سؤالاً قد يجوس في أفهام بعض العرب الغيارى وخواطرهم، عمّ جعله يتأخر كثيراً، فالاتحاد الدولي لكرة القدم تأسّس في عام 1904، وانتظمت نشاطاتُه الكروية في كلّ قارّات العالم بلا توقّف، واللغة العربية يتحدّث بها نحو 450 مليون شخص، وهي إحدى لغات الأمم المتحدة، والأمة التي تنطق بها ضاربةٌ في الحضارة الإنسانية. كما أنّ استفهاماً يتولّد من هذا السؤال يتعلق بأنّ القرار المعلن أخيراً ربما ما كان له أن يُتَّخذ لولا أنّ دولة قطر (العربية طبعا) ستستضيف بطولة كأس العالم 2022، ما قد يعني أنّ هذه الاستضافة ربما هي التي "أوجبت" القرار محلّ الاستحسان هنا. ومعلوم أنّ قطر ما استحقّت استضافَتها البطولة العتيدة إلّا بعد منافسةٍ صعبةٍ مع دول أخرى (إحداها الولايات المتحدة)، ما قد يجيز الاستيضاح أنّ اللغة العربية لم تكن لتُحرِز موقعها لغةً معتمدةً في "فيفا"، إلى جانب الإنكليزية والفرنسية والألمانية والإسبانية، لولا أنّ قطر أحرزت هذا الاستحقاق الذي ما كان ليصير لولا جهودٌ جبّارة، وتخطيطٌ كبير، وإدارةٌ استثنائية. وهذا إنفانتينو يقول إنّ كأس العالم في قطر سيكون الأفضل في التاريخ.
وإذا صحّ أنّ القرار في الأصل مقترحٌ تقدّمت به دولة قطر، تبنّاه إنفانتينو (زوجته لبنانية الأصل) وتحمّس له، سيما بعدما شاهد ما شاهد من تفوّقٍ قطريٍّ ظاهر وباهر في الاستعدادات التي تهيئ لبطولة استثنائية لكأس العالم، وقد شهد بطولة كأس العرب في الدوحة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وبرعاية "فيفا"، إذا صحّ هذا فإنّ تحيةً مستحقةً يجدُر تزجيتها لكلّ من ساهم في دولة قطر من أجل إنضاج القرار الخاص باللغة العربية في "فيفا"، ثم اعتمادُه، ما يعكس رؤيةً ثقافيةً وحضاريةً لدى أهل الحكم في هذه الدولة العربية النشطة، وهي تأخذ بأسباب تقدّمها ونهوضها، واستحقاقها مواقعها الريادية في غير شأن في العالم. وفي البال أنّ مسألة اللغة العربية صارت تستأثر باهتمامٍ خاص في الدولة، تمثّل في غير مناسبة، من أهمها إصدار أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد، قانوناً بشأن حماية اللغة العربية في يناير/ كانون الثاني 2019.
أمّا عن تأخر "فيفا" عقودا عن تبنّي اعتماده العربية لغةً رسميةً فيه، قبل أن يتخذ هذا القرار أخيراً في اجتماعه في الدوحة، فإنّ الأمر، في وجوهٍ أخرى له، لا يعود، بالضرورة، إلى انصراف الاتحاد العتيد عن لغة الضاد، وتعاليه عنها إن شاءَ بعضُنا القول، وهو الذي لم يأخذ قراراً مماثلاً بشأن الروسية والصينية واليابانية. إنّما المرجّح، أو المؤكّد إلى درجةٍ ما، أنّ الأمر يعود إلى حال الأمة العربية نفسها، وخفّة وزنها السياسي في العالم وبين القوى والتكتلات الكبرى فيه، وإنْ لها ثقلها الاقتصادي المعلوم بشأن سلعتي النفط والغاز الاستراتيجيتين. ولمّا كان للعرب قدراتهم في التأثير، وفي أن يُحرزوا لأنفسهم بعض المكانة والاعتبار، في زمن ما بعد أزمة السويس (1956)، وفي أن يكون في وسع مصر في زمن جمال عبد الناصر أن تكون واحدةً من بلاد العالم ذات الفاعلية في قضايا العالم الثالث، وفي إقامة التحالفات والتوازنات، فإنّ "فيفا" لم يكن في وارد أن يخوض في معارك واشتباكاتٍ في سياقٍ كهذا. وتالياً، حاولت شخصياتٌ عربيةُ التنافس على منصب رئيس هذا الاتحاد، وقد أحرز بعضُهم مواقع متقدّمة في اتحادات إقليمية، وكان بند اللغة العربية مطروحاً في برامج انتخابية، غير أنّ النجاح لم يُحالف أحداً.. ولكنّ نجاحاً مهماً جرى إنجازُه في الدوحة، صارت فيه العربية لغةً رسميةً في "فيفا" بعد مفاعيل أخرى، في مقدّمتها جهد وحضور قطريان وازنان.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.