عقدان على "هبّة أكتوبر"
تصادف قريبًا ذكرى مرور عقدين على "هبّة أكتوبر 2000" التي قام بها فلسطينيو 1948 تضامنًا مع الانتفاضة الفلسطينية الثانية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وما زالت تؤثر في سياسة دولة الاحتلال إزاء قضية فلسطين عمومًا، وحيال هذا الجزء من الشعب الفلسطيني خصوصًا. وجرت بعد هذه الهبّة أحداثٌ كثيرةٌ من شأن التوقف عندها أن يوضح تلك التأثيرات.
وما ينبغي الالتفات إليه من نقطة الزمن الراهنة، أن إحدى أبرز ردّات الفعل الإسرائيلية تمثلّت في جعل هاجس تكريس الدولة اليهودية يتصدّر جدول الأعمال الحكومي والعام، مع ما يرتبط به من ترسيخ دونية مواطنة فلسطينيي 48، وقمع تطلعاتهم القومية. وبات معروفًا أن هذا الهاجس أمسى طاغيًا أكثر فأكثر، وصولًا إلى سنّ "قانون القومية الإسرائيلي" في يوليو/ تموز 2018.
وفي مناسبة مرور عقد على هبّة أكتوبر، عام 2010، أشار رئيس تحرير "هآرتس" ألوف بن، وكان حينها كبير المحللين السياسيين فيها، في نبرةٍ قد تكون غلبت عليها سمة المبالغة، إلى أن الجهد الرئيسي الذي تبذله حكومة بنيامين نتنياهو الثانية (2009-2013) مُوجّه نحو قمع التطلعات السياسية للمجتمع العربي في إسرائيل. وبرأيه، الطاقة التي تستثمرها الحكومة من أجل تحقيق هذه الغاية أكبر من الطاقات التي تستثمرها في الدفع بالعملية السياسية، أو في كبح التهديد النووي الإيراني، منوهًا إلى أن هذه الجهود متعددة الجبهات، ويتم التعبير عنها من خلال مبادرات سن قوانين وإجراء تغييرات في جهاز التربية والتعليم وأنشطة رمزية وخطوات دبلوماسية، تهدف إلى تحصين هوية إسرائيل اليهودية. وفي المقابل، تُطالب الأقلية العربية بالتنازل عن مطلبها بالحصول على ديمقراطية، وعلى مساواة أكثر مع المواطنين اليهود.
ونتنياهو نفسه ربط غاية تكريس الدولة اليهودية بفلسطينيي 48 عندما شغل منصب وزير المال في حكومة أريئيل شارون الثانية (2003-2006)، وذلك في سياق خطاب ألقاه عام 2003 في "مؤتمر هيرتسليا لميزان المنعة والأمن القومي الإسرائيلي"، غير أن أقواله لم تحظ بصدى كبير في ذلك الوقت، مع أن التدقيق فيها لاحقًا أوضح إلى حدّ بعيد جوهر المقاربة التي تقوم حكوماته بتطبيقها إزاء الفلسطينيين في الداخل. قال نتنياهو في ذلك الخطاب: "إننا نواجه مشكلة ديمغرافية أيضًا، لكنها غير متركّزة في عرب فلسطين وإنما في عرب إسرائيل. لا توجد لدينا أي نية للسيطرة على السكان الفلسطينيين [في الأراضي المحتلة منذ 1967]، ولذا فإن المشكلة الديمغرافية لن تكون قائمة هناك عندما ينتقل هؤلاء السكان إلى السيادة الفلسطينية". وفي سياق لاحق، أشار إلى أن "وثيقة الاستقلال" دعت إلى إنشاء دولة يهودية وديمقراطية؛ يهودية أولًا وقبل أي شيء، وبعد ذلك ديمقراطية. وكي لا تلغي الديمقراطية الطابع اليهودي للدولة، يجب ضمان أغلبية يهودية. ووفقًا لأقواله، مسألة العلاقة بين الأغلبية اليهودية والأقلية العربية هي قبل أي شيء مزدوجة، مسألة نسيج العلاقات والقدرة على دمج هذه الأقلية في حياة الدولة وفي الاقتصاد والمجتمع من جهة أولى، ومسألة العدد من جهة أخرى. وإذا ما اندمج السكان العرب بشكل رائع [في الدولة] ووصل عددهم إلى 35% أو 40% من مجمل عدد سكان الدولة، عندها ستصبح الدولة اليهودية ملغية، وتتحول إلى دولة ثنائية القومية. ولو بقيت نسبتهم كما هي عليه الآن، أي نحو 20%، أو حتى أصبحت أقل، لكن العلاقات بقيت متسمة بالصرامة والتحدّي والعنف وما إلى ذلك، فإنه في هذه الحالة أيضًا سيتم مس الادّعاء بشأن النسيج الديمقراطي. وختم قائلًا: "لذا نحن بحاجة إلى انتهاج سياسة توازن بين هذين الأمرين. وقبل أي شيء، علينا أن نضمن أغلبية يهودية في دولة إسرائيل".
من هذه الرؤية، اشتق "قانون القومية" الذي من أهدافه إيجاد حصن دستوري في وجه أي مطالب مستقبلية بشأن إدارة ذاتية عربية داخل الخط الأخضر. وضمنها يندرج برنامج "السلام الاقتصادي" الداخلي، المحكوم بدوافع اقتصادية محضة.