عقارب الساعة وفئرانها

01 يناير 2015
+ الخط -

يخرج علينا، بين الفنية والأخرى، زعيم فضيل، وأحياناً رذيل، ليعلن حقيقة علمية معروفة، ربما لحقن التفاؤل في أنفسنا الذابلة بحاقنة الدعاوة، وهي أنّ "عقارب الساعة لن تعود إلى الوراء".
كنت، قبل فترة ليست بعيدة، أبحث عن سراج الزيت القديم، بوازع الحنين إلى القديم، وللزينة، فهي ذكرى من الطفولة، وناقوس يدقّ بالضوء في عالم النسيان، ثم ما لبثت البلاد أنْ غرقت في ظلام طامس، وكان ذلك في أوائل التسعينيات، وليس في البلاد إرهابيون، أو تكفيريون، سوى الطغمة الحاكمة، وخسرت البلاد ثروات أساسية كبرى، فتعطلت المعامل، واحترقت البرادات، وكبّ الناس الأطعمة المخزنة، ثم ما لبثت الشركات أن أنتجت معامل لقناديل الكاز، واشتريت مثل غيري سراجاً للنور، وليس للزينة، وعادت عقارب الساعة إلى الوراء. الناس، الآن، تشرب من السواقي، وتعيش في الكهوف والمغاور، فهي الوحيدة التي يمكن أن تصمد تحت قنابل البراميل. معروف أنّ أدبيات "البعث" تقول إنّه حزب انقلابي، وينادي بحرق المراحل. وحرق المراحل يؤدي إلى حرق الناس مرتين. مرة عند الانقلاب، وثانيةً عند تصحيح الانقلاب، وإعادة عقارب الساعة إلى جحورها.. ومساراتها.
الساسة الفلسطينيون المجاهدون والقاعدون، المنسقون مع إسرائيل أمنياً، ومع ملائكة السماء جهادياً، كلهم أكدوا، صراحة، أنّ الساعة لن تعود إلى الوراء، وأنّ قرار الوحدة الوطنية لا رجعة عنه، وودّعت "سنوات الانقسام"، ثم خرج علينا جوز عديلة، مسلحاً بالكوفية الفلسطينية، على كتفيه، بإيعاز من المخرج الإسرائيلي، ليقول إنّ حماس إرهابية، وضمناً، إنّ إسرائيل دولة رومانسية. الساعة و"الأوردر" بيد إسرائيل.
خرج الغنوشي، قبل يومين، ليهنئ الشعب التونسي بالديمقراطية، وقال إنّ النهضة ضحّت بمصالحها في سبيل الديمقراطية، وإنّ الحداثة والقدامة جميعاً ستعيش في أمان تحت مظلة الدستور، ومَن دخل في الدستور فهو آمن، لكن العقارب، وليست الفئران، تلعب في عبّي، وتقول إنّ هذا الختيار الفحل الذي فاز بالانتخابات "السكسية"، النزيهة، أوقع نساء تونس في دباديب غرامه، فالكازانوفا ليس سهلاً. العقارب التي تلعب في مرابع الساعة، وفي عبّي، تقول إنّه سيعود بالساعة إلى الوراء، لأنّه مولع، مثل زملائه الذئاب، بهواية مكافحة الإرهاب وأكل الكباب.
الشيخ القرضاوي، العلاّمة الكبير، المطلوب من الإنتربول، بتهمة الإرهاب، خطب أكثر من مرة ممجّداً الثورة المصرية "المعلّمة"، وشمت بحسني مبارك وحبيب العادلي وبقية الفاسدين أيما شماتة، واستشهد بآيات القرآن الكريم "إنّ ربك لبالمرصاد"، وهو كذلك. لكن، لا يعلم الغيب إلا الله، والساعة علمها، وعلم عقاربها عند ربي، بل قال القرضاوي جملةً، لم أجدها مناسبة لخطابه، وهو يتحدث عن المرشحين للرئاسة: أنا مع عبد المنعم أبو الفتوح "إلى الأبد"!
قرأت مقالاً طويلاً لأحد العلمانيين غير الظرفاء عن جملة و"الله أعلم" التي كان السلف الصالح يختم بها أقواله وقراطيسه. سخر المقال منها، ولم أفهم منه شيئاً سوى التلبيس، كما لم أفهم مقالات محمد أركون يوماً، لكني أعرف أنّ هؤلاء الطغاة أعادونا إلى عهد ثمود وعاد، وأنّ العقارب يُضرب بها المثل في الغدر، وعقارب الزمن كذلك، وأنّ للزمن سمّاً زعافاً، يقتل من غير لدغ، وأننا استيقظنا من النوم، لنجد أنفسنا قد تحولنا، مثل بطل رواية كافكا، إلى صراصير أو وحوش، أو إلى ملائكة تحت سقف الوطن، أو شهداء تحت سقف التراب.
الطاغية عدوّه الأول هو الساعة، وكان جعلها ساعة رملية، مخلوطة بالحصى والعقارب والقنابل الموقوتة. والخلافة من الوراء، وقد عادت. والأهلّة، وهي مواقيت للناس، باتت تهلّ من صفارة الشرطي و"عرب أيدول"... والله أعلم.


 

أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر