عالم عربي بكبسة زر أميركية
لا نريد التقليل من خطر داعش والتطرف. لكنْ، أن لا توجه جامعة الدول العربية بياناً لمواجهة إسرائيل، ولو كذباً ونفاقاً، وتكتفي بدعوة مع خطواتٍ لمواجهة "الإرهاب"، شاهد آخر بأنها أصبحت ليست أكثر من صاحبة دور وظيفي عربي في خدمة أميركا.
كله كان متوقعاً، لكن درجة الخنوع من دون خجل دليل على أن النظام العربي، وقوى الثورة المضادة، حريصة، أكبر الحرص، على تجديد ولائها وتبعيتها للسيد الأميركي حامي الكراسي وأصحابها، ولم يكن ليكون ممثل الائتلاف السوري المعارض في اجتماع الجامعة لو تحدّى واشنطن ولو قليلا، فكل شيء مرهون برضى أميركا.
لولا دعوة أميركا إلى تحالف دولي ضد "الإرهاب"، لما رأينا همّةً عربية نحو عمل عربي مشترك، وإصراراً على وضع "الإرهاب" بين قوسين، لأن تعريف الإرهاب تضعه أميركا وفقا لسياساتها ومزاجها، فإرهاب الأنظمة مسموح أو محظور، وفقاً لمصالح أميركا، الدائمة أو المتغيرة. أما إرهاب أميركا وإسرائيل فهو شرعي، وأحياناً محبوب ومرغوب.
اجتماع الجامعة العربية أعطى غطاء عربياً، لاستراتيجية أميركا بإدارة الصراع القائم، المغلف بالطائفية بما يحافظ على نفوذها، ولإزاحة الأنظار عن تداعيات الجرائم الإسرائيلية في الحرب على غزة والفلسطينيين بشكل عام، وتقويض حملات مقاطعة إسرائيل والدعوات لمقاضاتها في محكمة الجنايات الدولية.
وجدت أميركا في داعش عدواً مشتركاً للعرب ولإسرائيل، يدخلهم في تحالف أمني عميق، وخصوصاً أنه بدأ فعلياً، وهو أكثر فعالية من المحاولات الأميركية السابقة بتشكيل تحالف عربي- إسرائيلي ضد إيران، فللخطر الداعشي وقع أكبر، ليس فقط على الأنظمة، بل أيضاً، على المعارضات العربية، خصوصاً غير الإسلامية منها، فتستمر إسرائيل في هجمتها على الأرض والشعب الفلسطيني، بكل راحة ويسر.
نعم، هناك حاجة إلى مجابهة التطرف الديني والطائفي، لكن هذه التحالفات الأمنية لا تخدم سوى أميركا وإسرائيل، وقد لا تساعد حتى الأنظمة العربية نفسها، فحروب أميركا على الإرهاب تبرع دائماً في تقوية التطرف، وتوسيع رقعة الإرهاب في كل أشكاله ومصادره، أميركية وإسرائيلية، أو تلك المتغلفة بالدين والطائفية.
مواجهة التطرف الطائفي وداعش ومشتقاتها يجب أن لا ترتبط بأجندة أميركية، بل ببرنامج إصلاح النظام التعليمي في العالم العربي وببرامج تنمية اقتصادية واجتماعية، لإعادة توزيع الدخل بصك أكثر عدلاً، بدلا من السياسات النيوليبرالية والفساد، التي انتهجتها دول ما قبل الثورات وما بعدها، والتي لا تساهم إلا في تفقير فئات فقيرة أصلاً، من دون توفير فرص عمل وأمل بمستقبلٍ أفضل للشباب الغاضب اليائس.
لكن، ذلك كله ليس على الأجندة الرسمية العربية الرسمية التي لا تفهم سوى الحلول الأمنية القمعية، وضرب سلطة القضاء المستقل، لتستمر بالتنكيل بالشعوب، وتفريخ دواعش بكل الأشكال والألوان السياسية، لأن معظم الأنظمة داعشية الممارسة، جبانة في مواجهة الأخطار الاستراتيجية، وفي مقدمتها إسرائيل، لأن صمتها على المذابح الإسرائيلية أحد ضمانات الدعم الأميركي واستمرارها هي.
لا أستبعد أن تكون الخطوة الثانية، والمتفق عليها ضمنياً بين معظم الأنظمة، هي كيفية الضغط على الفلسطينيين، لنزع سلاح المقاومة، ولعدم الذهاب إلى محكمة الجنايات الدولية أو مجلس الأمن، لأن كل أشكال المقاومة المسلحة والسلمية في نظر السيد الأميركي "إرهاب"، والنظام العربي أعلن حربه "على الإرهاب"، أليس كذلك؟