ظهور الظواهري

20 سبتمبر 2015
+ الخط -

كنت أظنُّ، وبعضُ الظن إثم، أن النسخة الغربية من تنظيم القاعدة تغط في سبات عميق؛ منذ العملية الجهادية الكبرى التي يسميها الإخوةُ في التنظيم "غزوةَ نيويورك". وقد مَنَّ الله تعالى، حينئذ، على المسلمين، فعقد لهم لواء النصر، وأيّدهم بقتل أربعة آلاف كافر، وتهديم الأبراج التي تُمَارَس فيها السفاهةُ، والفجور، والربا، والمضاربات، وكل ما لا يُرضي الله عز وجل.

ولكن ظهور تسجيل صوتي للطبيب الجراح الدكتور المجاهد أيمن الظواهري، بمناسبة الذكرى الرابعة عشرة للغزوة المباركة، الذي صادف في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2015؛ قد جعل ظني يخيب، فالتنظيمُ ما يزال مستيقظاً، مرابطاً على ثغور الصليبيين، وها هو زعيمُهُ يوجه إلى المسلمين نداءً، يحضّهم فيه على تنفيذ عمليات جهادية مؤثرة في بلاد الكفار المتمركزة في قارتي أوروبا وأميركا.

لا يمكن لتنظيم جبّار، كتنظيم القاعدة، أن يلتفت لرأي إنسان ليبرالي، عَلْماني، ديمقراطي، كلب، مثلي؛ بل إنهم، إذا صادفهم مثلُ هذا الرأي، يبحثون عن أفضل طريقة لمخالفته، بعد أن ينعتوه بعباراتٍ أقلُّها حِدَّةً تنصُّ على أنه قد قيل بقصد دَسّ السُّمّ في الدسم. ومع ذلك، أجدُني مدفوعاً لأن أقدم لهم النصح، بسبب وجود قاسم مشترك بيننا، هو أن هؤلاء المسلمين الذين يدعونهم إلى تنفيذ أعمال جهادية في بلاد الفرنجة، هم، في المحصلة، سوريون، يعني أبناء بلدي، أوليس من حقي أن أسأل عن مصلحة أبناء بلدي؟

الجهاد في بلاد الكفرة المتفرنجين، كما تعلمون، لم يكن ذا مردود حسن على المسلمين، وكان أول مَنْ دفع ثمنَهُ تنظيم القاعدة نفسه، إذ بدأت جحافل قوات جورج دبليو بوش تدكّ معاقل الدولة الإسلامية في أفغانستان، ولم تغادرها حتى جعلتها قاعاً صفصفاً، وانتقلتْ، من ثم، وبسرعة البرق، لتقوّض عرش الرئيس المؤمن، المسلم، صدام حسين الذي ارتفعت نسبة التقى والورع عنده، إثر غزوة الكويت، إلى درجة أنه أصرَّ على أن توضع في وسط عَلَم العراق هتفةُ النصر (الله أكبر)، فكانت تلك أول مرة في التاريخ يقال فيها الله أكبر وقت الهزيمة. وأنتم خير من يعلم أن أمهات المعارك انتهتْ باحتلال أميركا ثم إيران (المجوسية) العراق.

نصيحتي للدكتور أيمن الظواهري المحترم: إن الجهاد في بلاد المسلمين أحسن من بلاد المشركين، وأفضل، وأقوى، وأكثر فاعلية ومردوداً، وثواباً. فلو أنك تجولت في أية مدينة أوروبية، يستحيل عليك أن تعثر على سوق، أو بازار، مكتظ بالناس، أو على تزاحم في طابور على باب مؤسسة استهلاكية، أو سوق خضار، أضف إلى ذلك أن الأوروبيين لا يخلفون من الضنا والعيال إلا القليل، ومن ثم فإن أي عملية استشهادية، هناك، لن تؤدي إلى قتل أكثر من بضعة أشخاص، أما حصيلة التفجيرات التي نُفذت في العراق بعد الاحتلال الأميركي، مثلاً، فلم نسمع برقم للقتلى يقل عن الخمسين. وبالنسبة للجرحى، حَدِّثْ ولا حَرَج، وكلهم، والحمد لله، من المسلمين.

هذا في العراق، وأما في سورية، بلاد الـ (شام شريف)، فللجهاد طعم أحلى، وألذ، ذلك أن المجاهدين لا يضطرون للتخفي والهرب من الكاميرات المزروعة في كل قرنة وزاوية، ولا من شرطة مكافحة الإرهاب، كما في أوروبا، بل إنهم يستوطنون البلاد السورية، ويتحولون إلى أمراء، وأقلهم فحولةً يتزوج اثنتين أو ثلاثاً من البنات في سن البلوغ، ويتناول أطيب الأطعمة، ويركب أفخم السيارات المصنوعة بأيدي الكفرة الأوروبيين أنفسهم. ويمتلك من السلطة ما يخوله لأن يعتقل (يُشَوِّل) المواطنين من سكان البلد الأصليين، ويسحلهم، أو يذبحهم، أو يجلدهم. وبالنسبة للنساء هو مخول برجمهن حتى الموت، ولا يوجد من يقول له: ماذا تفعل؟ فهل يعقل أن يترك هؤلاء هذا النعيم كله، ويولوا وجوههم نحو أوروبا من جديد؟

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...