11 نوفمبر 2024
طبخ بين الكتب
كأنه صار من تقاليد بعض معارض الكتب، في غير بلدٍ عربي، أن تشتمل على أقسام (يسمى كل منها ركناً) تقدّم عروضاً للطبخ، حيث يعدُّ طهاة (تضم صيغة الجمع هذه طاهياتٍ أيضاً) محترفون مأكولاتٍ متنوعة، أمام الزوار، ويشرحون ما يقومون به بالتفصيل، كما برامج الطبخ غير القليلة في الفضائيات، مع الإجابة على أي أسئلةٍ من هؤلاء الزوار الذين يراقبون خطوات الطبخ، ويتذوّق بعضهم المأكولات التي يتم إعدادها، مع إبداء انطباعاتهم بشأن المذاق والنكهة إذا شاءوا. والأرجح أن تقدّم مبيعات كتب الطبخ في معارض الكتب في مراتب أولى هو ما دفع القائمين على هذه المعارض (بعضها) إلى استحداث هذه "الفعالية" اللافتة وانتظامها، وتطويرها، واستضافة طهاةٍ متنوعي الخبرات فيها. وهذا معرض الكتاب الدولي في أبوظبي في دورته التاسعة والعشرين، والذي تنكتب هذه السطور في أجوائه، ينتظم فيه "ركن عروض الطبخ" منذ سبع سنوات، وهو يعدّ هذا العام مأكولات شامية وإيرانية وهندية وفنلندية وخليجية ومغربية وغيرها، ويركّز على المأكولات الإيطالية، ذلك أن إيطاليا ضيف الشرف لمعرض الكتاب نفسه.
لعله مفهوم الثقافة الذي يتسع ليشمل كل منتجات الشعوب هو ما صار يجعل أهل معارض الكتب يميلون إلى التعريف بمأكولات مطابخ الشعوب والأمم والحضارات المختلفة ومذاقاتها ونكهاتها، وبهذه الكيفية الجذابة. وربما يعود الأمر إلى إضفاء مزيد من مظاهر الحميمية والجماهيرية والألفة بين معارض الكتب والجمهور، وهو جمهور متنوع الاهتمامات والمشاغل، ولا يقتصر على قرّاء لونٍ من المعارف والآداب بعينه، ولا على أعمار معينة. ويبدو هذان الأمران، إذ يعود تقديم الطبخ بين مئات آلاف الكتب إليهما، مقنعيْن، ولا سيما أن إعداد المأكولات (القليل منها غالباً) يتم بكيفيات رائقة وجذابة، وتستهوي أمزجةً واسعة. وفي الوسع أن يشجع واحدنا القائمين على معارض الكتب العربية على هذه البرامج والعروض والفعاليات، ذلك أن غذاء العقول ليس كافياً ليستقيم أمر الإنسان وحياته وعيشه، والأصل أن الطعام لا يقيم الأود فقط، وإنما هو متعة وفيرة أحياناً، وإن يشتهيه ملايين في العالم، جرّاء الظلم الشاسع المعلوم.
راقني أن أسمع من الشيف هاينز بيك، وهو من مطعمٍ إيطالي، وفي التعريف به حاصل على ثلاث نجوم من معهد ميشلين (ما هو هذا المعهد؟) أنه يقدم عروضه في الطبخ مهداةً خصيصاً للكاتب والناقد والفيلسوف الإيطالي، الراحل أخيراً، أمبرتو إيكو. ويبدو أن المزاج الرائق من شروط مطلوبةٍ في عمل أصحاب مهنة الطهي، وكان ملحوظاً تباسط الطهاة الأوروبيين والعرب والهنود المختارين في برنامج "عروض الطبخ" في معرض أبوظبي للكتاب مع زوارهم وجمهورهم. وأظنه لا مبالغة فيه شعار هذه العروض المكتوب بالإنجليزية (فقط؟!)، وهو "المطبخ قلب البيت". وأظنني سأتبنى هذا الشعار، وربما أدعو إلى اعتناقه، فثمّة وجاهة ظاهرة في مضمونه. ولمّا كان القلب هو الذي يزوّد الإنسان بنبض الحياة، فإن ما يزوّد به المطبخ البيت عموماً من غذاء، شهي وصحي وذي نكهة و..، لا بد وأن يشيع في عموم البيت، وبين ساكنيه وأفراده، هناءة البال ودعةً، أو هكذا يحسُن أن يكون. ومما يحكيه الطهاة المجرّبون والمحترفون، من العاملين في الفنادق الراقية، ومن مقدمي برامج الطبخ في التلفزات، أن أكثر ما يفرحهم هو أن يسمعوا ممن يتذوّقون طبخهم أنه "مثل طبخ البيت". هذا مديح بالغ وثناء رفيع، يستهوي أهل هذا الكار الذين صار يتطفّل عليه مشاهير من نجوم الدراما والسينما والرياضة في تقديم هذه البرامج التلفزيونية، وقد صار أمر هؤلاء من ظواهر الفضائيات المصرية أخيراً. وربما لا يصير تزيّداً أن يوصف هذا الحال "غزواً" غير مستحسن، فأهل مكة هم الأدرى بشعابها.
أن يجتمع الطبخ مع الكتب تحت سقفٍ واحد فكرة ناجحة فيما يبدو، وتوحي بامتزاجٍ ما بين ارتحال الأفكار والآداب والمعارف والحضارات مع أطايب المأكولات من طباخين (شيفات كما يتسمون)، موهوبين وذوي مزاجٍ حسن، على ما دلّ أداء بعضهم، طلياناً وغير طليان، في معرض أبوظبي للكتاب.
لعله مفهوم الثقافة الذي يتسع ليشمل كل منتجات الشعوب هو ما صار يجعل أهل معارض الكتب يميلون إلى التعريف بمأكولات مطابخ الشعوب والأمم والحضارات المختلفة ومذاقاتها ونكهاتها، وبهذه الكيفية الجذابة. وربما يعود الأمر إلى إضفاء مزيد من مظاهر الحميمية والجماهيرية والألفة بين معارض الكتب والجمهور، وهو جمهور متنوع الاهتمامات والمشاغل، ولا يقتصر على قرّاء لونٍ من المعارف والآداب بعينه، ولا على أعمار معينة. ويبدو هذان الأمران، إذ يعود تقديم الطبخ بين مئات آلاف الكتب إليهما، مقنعيْن، ولا سيما أن إعداد المأكولات (القليل منها غالباً) يتم بكيفيات رائقة وجذابة، وتستهوي أمزجةً واسعة. وفي الوسع أن يشجع واحدنا القائمين على معارض الكتب العربية على هذه البرامج والعروض والفعاليات، ذلك أن غذاء العقول ليس كافياً ليستقيم أمر الإنسان وحياته وعيشه، والأصل أن الطعام لا يقيم الأود فقط، وإنما هو متعة وفيرة أحياناً، وإن يشتهيه ملايين في العالم، جرّاء الظلم الشاسع المعلوم.
راقني أن أسمع من الشيف هاينز بيك، وهو من مطعمٍ إيطالي، وفي التعريف به حاصل على ثلاث نجوم من معهد ميشلين (ما هو هذا المعهد؟) أنه يقدم عروضه في الطبخ مهداةً خصيصاً للكاتب والناقد والفيلسوف الإيطالي، الراحل أخيراً، أمبرتو إيكو. ويبدو أن المزاج الرائق من شروط مطلوبةٍ في عمل أصحاب مهنة الطهي، وكان ملحوظاً تباسط الطهاة الأوروبيين والعرب والهنود المختارين في برنامج "عروض الطبخ" في معرض أبوظبي للكتاب مع زوارهم وجمهورهم. وأظنه لا مبالغة فيه شعار هذه العروض المكتوب بالإنجليزية (فقط؟!)، وهو "المطبخ قلب البيت". وأظنني سأتبنى هذا الشعار، وربما أدعو إلى اعتناقه، فثمّة وجاهة ظاهرة في مضمونه. ولمّا كان القلب هو الذي يزوّد الإنسان بنبض الحياة، فإن ما يزوّد به المطبخ البيت عموماً من غذاء، شهي وصحي وذي نكهة و..، لا بد وأن يشيع في عموم البيت، وبين ساكنيه وأفراده، هناءة البال ودعةً، أو هكذا يحسُن أن يكون. ومما يحكيه الطهاة المجرّبون والمحترفون، من العاملين في الفنادق الراقية، ومن مقدمي برامج الطبخ في التلفزات، أن أكثر ما يفرحهم هو أن يسمعوا ممن يتذوّقون طبخهم أنه "مثل طبخ البيت". هذا مديح بالغ وثناء رفيع، يستهوي أهل هذا الكار الذين صار يتطفّل عليه مشاهير من نجوم الدراما والسينما والرياضة في تقديم هذه البرامج التلفزيونية، وقد صار أمر هؤلاء من ظواهر الفضائيات المصرية أخيراً. وربما لا يصير تزيّداً أن يوصف هذا الحال "غزواً" غير مستحسن، فأهل مكة هم الأدرى بشعابها.
أن يجتمع الطبخ مع الكتب تحت سقفٍ واحد فكرة ناجحة فيما يبدو، وتوحي بامتزاجٍ ما بين ارتحال الأفكار والآداب والمعارف والحضارات مع أطايب المأكولات من طباخين (شيفات كما يتسمون)، موهوبين وذوي مزاجٍ حسن، على ما دلّ أداء بعضهم، طلياناً وغير طليان، في معرض أبوظبي للكتاب.