طارق البشري معارضاً للإخوان

06 مارس 2021
+ الخط -

في مساجلاتٍ جرت فور وفاة المستشار المصري الجليل طارق البشري، رحمه الله، تواطأت أطرافٌ متعاكسةٌ على التجاهل التام لمواقفه في عام حكم الرئيس الراحل محمد مرسي، لأنها تهدم الروايات التنميطية السهلة على اختلافها.

على سبيل المثال، أعلن البشري موقفا بالغ الحدّة ضد الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس الراحل محمد مرسي في نوفمبر/ تشرين الثاني 2011، حيث اعتبره "منعدما"، ويمثل "اعتداءً على الديمقراطية وعلى القضاء".

ينشر فريقان على سبيل المدح أو الذم إدانة البشري عزل مرسي، وقد كان من أوائل من وصفوه علنا بالانقلاب، لكن كليهما يغفلان مفارقة أن البشري استخدم التعبير حرفيا (الانقلاب) لوصف الإعلان الدستوري. في حواره المطوّل، المنشور في صحيفة الشروق وقتها، قال إن ما فعله مرسي هو "انقلاب على الشرعية الدستورية" وعلى "الديمقراطية الثورية"، وأعرب عن خشيته البالغة من إقرار الدستور في ظل هذا "الوضع الانقلابي"! واتخذ البشري أيضا على طول الخط موقفاً رافضاً إجراءات عديدة مرتبطة بإصلاح القضاء، والتي طرحها البرلمان ذو الأكثرية الإخوانية، أو مرسي لاحقا، حيث حذّر مرارا من استخدام الملف لأغراض سياسية.

وفي مايو/ أيار 2012، نشر البشري مقالا بعنوان "أخطاء الإخوان في 100 يوم من عمر مجلس الشعب"، شن فيها هجوما حادّاً على طرح البرلمان احتمال تعديل قانون المحكمة الدستورية، ردّاً على إحالة لجنة الانتخابات الطعون إلى الدستورية. واعتبر البشري ما حدث انحرافا خطيرا، وكتب "إنني، كقاضٍ سابق، أكاد أصرخ واستصرخ الآخرين ضد هذا السلوك، وأفعل ذلك إبراء للذمة أمام الله سبحانه". وانتقد، بعبارات حادّة، سعي جماعة الإخوان المسلمين إلى الهيمنة السياسية، وكتب إنها "بالغت في تقدير قوتها" و"طمحت هذه الجماعة في بلوغ ما لا تستحقه ولا تستطيع السيطرة عليه، وهو جهاز الدولة". وانتقد البشري سعي "الإخوان" إلى استخدام التظاهر في الشارع للضغط على المجلس العسكري.

ولاحقاً بعد فوز مرسي، وحل البرلمان، وإعلان مسوّدة الدستور الجديد، كتب البشري مقالا في ديسمبر/ كانون الأول 2012، بدأه بعبارة "إن قول الحق لا يدع لي صديقا". نفهم السبب في سياق المقال، فقد خصّصه لانتقاد مواد تشكيل المحكمة الدستورية، واعتبر أنها تعكس تعمّداً لعزل قضاة بعينهم، كما تمنح الرئيس سلطة تعيين قضاتها، واعتبر ذلك "تدليسا" على الناخبين، واعتداءً صارخا على استقلال القضاء، ما يستوجب "إعلان المعارضة الصريحة لهذا السعي". كما انتقد بشدة محاصرة مظاهرات "الإخوان" مقر المحكمة الدستورية، وما وصل إليه من ترديدهم "هتافات غير لائقة"، وقال إن ذلك الحدث "آلمه أشد الألم".

موقعة أخرى بارزة، كان موقف البشري بالغ الحدة من قانون منطقة قناة السويس الاقتصادية، فقد اعتبره بمثابة "إعلان استقلال إقليم السويس عن الدولة المصرية"، وأن بموجبه سيصبح أهالي ذلك الإقليم "شعبا آخر"، كما انتقد منح مرسي نفسه، بموجب القانون، سلطات مطلقة خارج الرقابة، واعتبر القانون، في المجمل، غير دستوري.

ولافت أن خطاب طارق البشري، في ذلك الوقت، اتسق مع جوقة إعلامية معارضة، بخلاف الموقف الرسمي من قياداتٍ في الجيش المصري، مثل تأكيد اللواء ممدوح شاهين استجابة الرئاسة لكل ملاحظاتهم، وأن القانون لا يهدّد الأمن القومي. وقد نشر عصام سلطان، نائب رئيس حزب الوسط، وقتها، مقالا يرد على البشري.

أما ذروة مواقف البشري المفاجئة فهي وقوفه المطلق ضد تعيين مرسي النائب العام طلعت عبد الله، وتكراره في كل موضع دعمه عودة نائب عام حسني مبارك، حتى أنه في إبريل/ نيسان 2013، كتب مقالا بعنوان "المستشار عبد المجيد محمود باقٍ في منصبه وقرار عزله منعدم". ومن اللافت أن أحزاب جبهة الإنقاذ المعارضة لمرسي، كانت في ذلك الوقت تطرح مطالب لا تشمل عودة عبد المجيد محمود، الذي كان قد تجاوزه الزمن عند الجميع تقريبا!

وبقدر ما تطرح هذه المواقف إشكاليات الاشتباك السياسي من بعض أهل الفكر الذين تنقصهم خبرات التنظيمات السياسية، بقدر ما تؤكد مدى تجرّد الراحل الذي لم يكن ينطق إلا بما يراه حقاً. وبذلك، يستحق تراث البشري القانوني والسياسي مطالعة مدققة، واشتباكاً نقدياً مركباً، يليق بتركيب نموذجه الأبعد عن القوالب الجاهزة عند أيٍّ من أطراف الاستقطاب السياسي المصري.