صُنّاع رؤساء أميركا بالمال

21 يوليو 2024

(Getty)

+ الخط -

يُصنع رؤساء أميركا المتعاقبون بالمال. ما من رئيسٍ أميركي وصل إلى البيت الأبيض بأصوات الناخبين وحدهم، وإنّما بالتمويل الكبير الذي حظيت به حملته الانتخابية من "هوامير" المال، وهؤلاء لا يملكون المال وحده، وإنّما يملكون درجة مؤثّرة من السلطة لها أثرها في صنع القرار. فمع كل سباق انتخابي أميركي، خصوصاً في موسم الانتخابات الرئاسية، نسمع عن أرقام بمليارات الدولارات تجمع وتنفق لدعم المرشّحين، وبعد انتهاء كل دورةٍ انتخابية، تجرى مقارنة الأموال الهائلة التي جمعها المرشّحون، مع ملاحظة زياداتٍ ضخمةٍ في كل موسم انتخابي.

لا ضرورة للعودة إلى الماضي. نظرةٌ على معطياتٍ طازجة على صلة بالموضوع تؤكّد ذلك. فحين رشحت أنباء عن خلاف "ظاهري" ليس أكثر، بين الرئيس الحالي جو بايدن ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو، جرى تداول أنباء عن أنّ بعض داعمي حملة بايدن الانتخابية، قبل أن تتصاعد المطالبات بثنيه عن الترشّح، هدّدوا بإيقاف دعمهم له، إن لم يُظهر كامل الدعم لإسرائيل. أمرٌ مشابهٌ مع منافسه دونالد ترامب الذي يحظى بدعم مالي كبير من أساطين المال الموالين لإسرائيل، ثقّةً منهم بأنّه سيقف معها في عدوانها المستمرّ على غزّة، ويقدّم لها كلّ ما تحتاجه من عوْن.

حسب تقرير نُشر عشيّة الانتخابات الرئاسية الأميركية السابقة في العام 2020، كانت تلك الانتخابات الأعلى تكلفة في تاريخ الانتخابات الأميركية، حيث وصلت إلى 10.8 مليارات دولار، وهذا يفوق الناتج المحلي السنوي لدول ليست صغيرة. وحسب إحدى الدراسات، تفوّقت حملة بايدن، يومها، على حملة ترامب من ناحية الإنفاق على الإعلانات التلفزيونية والإذاعية والرقمية، خصوصاً أنّ ترامب في فترته الرئاسية استعدى كبار رجالات الإعلام ومؤسّساته، فضلاً عن خلافه مع رؤساء الشركات الأميركية العملاقة، مثل شركة أمازون وغيرها. وبالاضافة إلى الإعلانات، تغطّي حملات التمويل مصاريف العاملين في الفرق الانتخابية وسفرهم وإقاماتهم في أثناء التجوُّل في الولايات المختلفة.

يلقت التقرير نفسه النظر أيضاً إلى مساهمات المتبرّعين الصغار الذين يتبرّعون بمبلغ لا يزيد على مائتي دولار، الذين ازدادت أهمية مشاركتهم في تمويل الحملات الانتخابية منذ 2016. على سبيل المثال، جمعت السيناتورة إليزابيث وارن والسيناتور بيرني ساندرز 76% و56% على التوالي من إجمالي أموالهما بالاعتماد على هذه الفئة من المتبرّعين خلال انتخابات التجديد النصفي لعام 2018، ما يقرُب من 230 مليون دولار، وجاء 58% منها من مساهمات فردية صغيرة. ويُذكر أنّ ساندرز، يساري الهوى، رفض دعم لجان العمل السياسي الكبرى.

أنفق الديمقراطيون في 2020 أكثر من الجمهوريين على المستوى الفيدرالي بإجمالي 6.9 مليارات دولار، فيما أنفق الجمهوريون 3.8 مليارات دولار. ومع دخول البلاد في سباق رئاسي محموم هذه الأيام، نشرت حملة بايدن أرقاماً جديدة تظهر أنّها جمعت عشرات ملايين الدولارات، في حين دخل على الخط متبرّعون كبار لدعم حملة ترامب. وحسب تقارير صحافيّة أميركيّة، لا يزال بايدن متفوقاً على منافسه ترامب في جمع التبرّعات لحملته الانتخابية، لكن هذا تغيّر قليلاً أخيراً، بعد أن حصل ترامب على مبالغ ضخمة بعد إدانته في قضية شراء الصمت. في المقابل، أجرى بعض كبار قادة حملة بايدن اتصالاتٍ مكثفة بكبار المانحين لتهدئة مخاوفهم، بعد أدائه السيئ في مناظرته مع ترامب، وتُروّج الحملة أنها جمعت 33 مليون دولار عشية المناظرة وغداتَها.

أكبر تبرّع علنيّ حتّى اللحظة في الحملة الانتخابية الحالية جاء من تيم ميلون، وريث بنك ميلون، فقد قدّم 50 مليون دولار إلى لجنة عمل سياسيّة كبرى تدعم ترامب. ومنذ بداية الحملة الانتخابيّة، أنفق الرجل الثمانيني أكثر من مائة مليون دولار معظمها لصالح الجمهوريين، كما أنّ جزءًا صغيراً من هذا المبلغ خصّص لدعم المرشّح المستقلّ روبرت كينيدي. ومع أن إيلون ماسك كان قد أعلن، في مارس/ آذار الماضي، إنّه لن يدعم ماليّاً أيّ مرشّح، لكنه سرعان ما أعلن، بعيد محاولة الاغتيال الّتي تعرّض لها ترامب، أنه سيدعم حملته الانتخابيّة بـ45 مليون دولار شهريّاً.

هناك إجماع لدى الدارسين على أنّ الإنفاق الانتخابي في تاريخ الولايات المتحدة لا يعدّ نزيهاً، باعتباره مالاً سياسيّاً، ويجرى التلاعب القانوني به، وهو أمرٌ آخذ في الازدياد مع غياب معايير الشفافية ومراقبة أوجه الصرف ودوافعه.

كاتب وباحث من البحرين، صدرت له مؤلفات في قضايا الخليج، الثقافة، الأدب، السيرة، اليوميات، وغيرها
حسن مدن
كاتب وباحث من البحرين، صدرت له مؤلفات في قضايا الخليج، الثقافة، الأدب، السيرة، اليوميات، وغيرها.