شيء عن روايات الناشئة
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
كنّا، في سنوات الصبا، نهرب من كتب الواجب المدرسي إلى القراءات الحرّة في شتى المعارف، منها في المجلات الأسبوعية. وأخصّ هنا مجلة ماجد التي كانت تصدُر كل أربعاء، ولم تكن في مطرح (في عُمان)، حيث عشت طفولتي، إلا مكتبة واحدة، قرب مركز الشرطة. لاحقاً، يمكن إضافة روايات أجاثا كريستي، وما عرف بروايات عبير، لكنها لم تكن روايات ضحلة بقدر ما صمّمت لتناسب أعمارنا، نظراً إلى احتوائها على قصص ممتعة ذات طابع بوليسي أو عاطفي خفيف. سمعتُ مرّة من الشاعر الراحل سركون بولص في مسقط أنه كان يترجم بعضاً من روايات عبير إلى العربية من أجل أن يمشّي أموره المالية في بلدان الاغتراب.
تابعتُ، كغيري، ما حصل في معرض الكتاب في الرباط، حيث احتشد جمهور غفير من الفتية الذين حضروا إلى فعالية كاتب الناشئة السعودي أسامة المسلّم الذي لم أسمع عنه قبل هذه الضجّة، ربما مثل آلاف غيري، ولكن للصبية بين الأعمار 12-17 سنة رأي آخر. حين احتشدوا لأخذ توقيعه على كتب سبق أن اقتنوها له. وسيشكّل التوقيع هنا ذكرى ثمينة لهؤلاء. ربما المستغرب هنا أن الواقعة حدثت في المغرب، حيث اعتدنا على نتاج فكري متقدّم ودراسات أكاديمية رصينة في هذا البلد. ومثل هذه الزحمة يمكن أن تراها في معارض دول الخليج، ذات الطابع الاستهلاكي الصارخ. وأذكر مرّة أنني رأيت زحمة في معرض مسقط، وقيل إنها بسبب كاتب اسمه كويلي موجود في أحد الأروقة لتوقيع إصدارات له. سيذهب الظن الأولي إلى أن المقصود هو الكاتب البرازيلي باولو كويللو، صاحب رواية "الخيميائي" الذي تحظى أيضاً رواياته بإقبال من مختلف الأعمار. وأذكر مرّة في سوق مطرح في جلسة مع الناقد التونسي محمد لطفي اليوسفي وعائلته، حين ذكرت رواية "الخيميائي"، وكانت قد تُرجمت حديثاً، سمعت ابن اليوسفي وهو مراهق يشيد بها، وأنه قرأها ودعا والده إلى أن يقرأها كذلك. ولكن ما حدث أن كويلي هذا شاب كويتي يكتب روايات للناشئة، وهذه الزحمة من أجله، حتى إن إدارة المعرض والشرطة تدخلت لطرده لأنه لم ينسّق سابقاً مع إدارة المعرض، إنما بثّ دعوةً مفتوحة لمتابعيه من الفتية، الأمر الذي أحدث فوضى في الأروقة واكتظاظاً، ما اضطرّ أصحاب الشأن إلى طرده.
كم نحن غائبون عن مزاج الناشئة في القراءة، وقد ظننّا طويلاً أن انشغالاتهم بالصورة تغلب على قراءاتهم الكتب، ولكن مثل هذه الحوادث المتعلقة بزحمة التواقيع للفتية تؤكّد أن الكتاب، في مستوياته الدنيا على الأقل، يشهد انتشاراً، إذا عرفنا أن كل كتابٍ لأمثال أسامة المسلّم والكويتي كويلي يطبع منه عشرات الطبعات المتوالية. ولكن الأمر قد يدعو إلى بصيصٍ من الغبطة في جانب منه، وهو أن الشباب يقرؤون، وإنْ لا يروقنا ما يقرؤونه، وهو مزيج من تجارب وتخيلات محبوكة تستند إلى التشويق (لا شيء غير التشويق). كذلك نستنتج أن الكتاب في هذا المستوى لم يعد فردياً، فلا بد أن هؤلاء الكتاب يستندون إلى وسائل ووسائط، وربما شركات، تشجّعهم وترعاهم، فأسامة المسلم دخل إلى معرض الرباط، كما سمعت، ومعه حارسان شخصيان.
يقال إن هذه الكتب، ولست ضدّها بالمطلق، لا تذهب في الزمن بعيداً، فالصبي ما إن يتجاوز عمراً معيناً يرتقي في تفكيره (أو هذا هو المفترض والمأمول)، ونتمنّى أن يفضي هذا الارتقاء به إلى قراءة كتب أكثر فائدة، حتى وإنْ كانت متوسّطة القيمة. تؤشّر كذلك هذه الحوادث إلى أن الكتاب، بمعناه الورقي البسيط، ما زال يقدّم مادة عضوية للروح، مثله مثل جميع الرغبات الضرورية. وقد قال بورخيس عن ضرورة الكتاب الروحية للإنسان: "الكتاب هو الأكثر دهشة بين كلِّ الأدوات التي اخترعها الإنسان طوال تاريخه، إذ إنَّ بقية الأدوات امتداد للجسد، فالميكروسكوب والتلسكوب امتدادٌ لرؤية الإنسان، والهاتف امتدادٌ لسمعه، والمحراث والسيف امتدادٌ لذراعه، غير أنَّ الكتاب امتدادٌ لشيءٍ آخر، امتدادٌ للذاكرة والمخيَّلة".
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية