شواغل مغربية

08 ديسمبر 2014

حضور كثيف للمنتدى العالمي لحقوق الإنسان في مراكش(29 نوفمبر/2014/الأناضول)

+ الخط -
تطالع عشرَ صحف مغربية متنوعة، مرة واحدة، فيدهشك خلوَّها من أي خبر يتعلق بغير المغرب، إذا ما استثنينا أخبار النجوم والجرائم والغرائب، ونقل الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى مستشفى فرنسي. أما داعش فموجودة لوجود مغاربة غير قليلين فيها، ما سوّغ للجنة في الكونغرس الأميركي أن تهدد بتشديد الإجراءات أمام المغاربة الراغبين في دخول الولايات المتحدة. وهذه المسألة ليست أساسية بين شواغل أولى تلحظها، هنا في الرباط، حيث أكتب هذه السطور، بل ثمّة الجدل السياسي عن الحكومة برئاسة عبد الإله بنكيران، وثمّة زوبعة من قضايا تخص ارتفاع الأسعار والبطالة والفيضانات التي قضى فيها عشرات في جنوب البلاد، وكذا وفاة بائع متجول بعد مشادّة مع مسؤول محلي. وقد يعود "احتلال" أخبار المغرب ومواطنيه جرائده وصحافاته، المستقلة والحزبية والبين بين، إلى القناعة بأن الفضائيات والتلفزات الكثيرة تيسر طوفاناً من أخبار العالم والإقليم والجوار، فيما طوفان آخر من شؤون البلد، لك أن تحيط بها في الجرائد والمواقع الإلكترونية، وهذه وتلك تتنافس فيما بينها على اجتذابك، واستنفار فضولك، وتطالع لزملاء مغاربة اجتهادات وأراء وانتقاداتٍ في مستجدّات بلدهم، تقع فيها على منسوب عال وطيب من حريات التعبير.

لا رحمة في تسديد السهام على حكومة بنكيران، الأمر الذي يحدثك صديق من خارج حزب العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحكومي، إن فيه مبالغات عديدة، مع التسليم بأن ثمة أوضاعاً غير مرضية، كثير منها نتاج تراكم سوء تدبير وتسيير موروثٍ من سنوات سبقت وصول حزب بنكيران إلى مسؤولية الجهاز التنفيذي في المملكة، بعد انتخاباتٍ حقق فيها، في 2011، أزيد من مائة مقعد في البرلمان الحالي، ما لم يسبق أن وصل حزب مغربي إليه. وإذا ما قيل إن تناقصاً يحدث في شعبية "العدالة والتنمية"، الإسلامي النزوع والهوى، بين الجمهور العام في أثناء مسؤولياته في السلطة، وأن ذلك يعني أنه سيفقد عدة مقاعد في برلمان الانتخابات المقبلة، فذلك كله لا يقود إلى أنه سيخسر المرتبة الأولى، إذ يُرجح بقاؤه في رئاسة الحكومة، وبقاء المعارضة الراهنة معارضةً، تمارس الضربات والمبالغات إياها.

لا يمكن، أياً تكن وجهتك السياسية، في يمينٍ أو يسار أو وسط، أو في موقع منظور أو غير منظور في ثورةٍ مضادة هنا أو هناك، إلا أن تُعاين، وأنت في المغرب، مناخاً يمنح وجاهة لتقرير شبكة مبادرة الإصلاح العربي، في تصنيفه، قبل أيام، المغرب الدولة الأولى عربياً في الممارسة الديمقراطية، فالتقدم مضطرد وكبير في هذه الممارسة، وفي احترام حرية الرأي والتعبير. ويورد التقرير أن المغرب لم يشهد تسجيل أي حالة لخرق الدستور من السلطات، وشهد تطوراً مهماً في التشريعات الخاصة بفصل السلطات مع إقرار الدستور الجديد في 2011، واتخذ مجموعة من الإجراءات الخاصة بمناهضة التعذيب. وإنَّ تقدماً مهما يحدث في المغرب، على صعيد حرية الصحافة والإعلام.

لأصدقاء وزملاء مغاربة ناشطين في العمل العام، وحاضرين فاعلين في الفضاء الإعلامي والحقوقي والسياسي أن يروا ملاحظةً هنا وهناك، وأن يجدوا نواقص في غير مطرح في هذا كله، غير أن عينَ قادمٍ من المشرق العربي غير السعيد سينظر إلى المشهد العريض في المغرب من زوايا أخرى، أولها أن غير بلد عربي يهوي، الآن، في قيعان التسلط والتجبر، بل والتفكك والاحتراب، ولو أخذ صناع القرار في هذه الأوطان بقسط يسير مما تيسر للمغاربة في السنوات الأربع الماضية، بعد نضالات كثيرة خاضتها نخبٌ عريضة، لما صار المشرق المتحدث عنه على النحو الذي يُغبط المغاربة على عدم قراءتهم أخبارَه في جرائدهم، وهي التي تنشغل، منذ أيام، بوفاة بائع متجول، فيما الموت في غير بلد عربي مشرقي يتجول، الآن، بيسر وعادية.

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.