سيناريوهات حلّ القضية السورية
توفّر وسائل التواصل الاجتماعي للمهتمّين بالشأن السوري مادّةً غنيّة، ومتنوّعة، ومثيرة. فإذا دخلتَ إلى تطبيق تيك توك الصيني، مثلاً، سوف تشهد، وعلى مدار الـ 24 ساعة، نقاشاتٍ حاميةً في هذا الشأن، يتخلّلها طرح مبادراتٍ لحلِّ القضية السورية، ونقاشاتٍ مستفيضةٍ حول المبادرات المطروحة، والتوّقّعات المستقبلية... والأحلى من هذا أنّك ترى شخصاً لم يسبق لك أنْ رأيتَه، أو سمعتَ باسمه، يعرض على مُحاوريه، بصوتٍ خافتٍ مع غمزةٍ بالعين اليسرى، تسريباً لحلٍّ شاملٍ يُحَضَّرُ حالياً في مطابخ السياسة العالمية، بتوافقٍ أميركي روسي أوروبي إيراني تركي إسرائيلي!. ولا ينسى أن يُدخل في سياقِ حديثه مفرداتٍ تُوحي بالأهمية، كالفيدرالية، والعقد الاجتماعي، والانتقال السياسي، والمرحلة الانتقالية... ويؤكّد أنّ الحلّ سيُوضع موضع التنفيذ، خلال فترة بين ثلاثة وستة أشهر.. وأنّه حصل على هذه المعلومة من "قنواته" الخاصة، وتلك "القنوات" ستُوافيه بما يستجدّ من خطوات تحضيرية، وتنفيذية، أوّلاً بأوّل، ولن يبخل على زملائه الأعزّاء، وعلينا، بها!
الواقع أنّ تعقيدات القضية السورية التي نجمت عن تداعيات ثورة 2011 مرّت بسلسلة من المناطق، أو الظواهر، أو المطبات التي تَقَادَمَ عليها الزمن وطواها. ففي السنوات الأولى للثورة، برزت شخصياتٌ اعتقدَ كلُّ واحد منها أنّه سيكون رئيساً للجمهورية، فور سقوط بشّار الأسد، وبتوافقٍ محلي ودولي، ونزلت أسماؤهم إلى ميدانِ التداول، مع حملاتٍ دعائيةٍ قويةٍ تؤكّد أمريْن: أوّلهما أنّ حلّ مشكلات الدولة السورية القديمة والمعاصرة والمستقبلية يكون بتغيير رئيس الجمهورية، وأنّ "صاحبنا" ليس الوحيد لكنه الأفضل. أمّا الآن، ومع اليأسِ المُطبق من زحزحةِ بشّار الأسد، أصبحت تلك الأسماء، والحملات الدعائية، ذكريات.
الظاهرة الثانية، أو بالأصح السيناريو الثاني، يتضمّن تنحية الأسد وعصابته، من المجتمع الدولي بالتأكيد، وإسناد مجمل الصلاحيات القيادية في الدولة إلى مجلسٍ عسكري، يُشَكَّل بإشراف دولي، وميزة هذا المجلس أنّه لا يوجد فيه تعدّد أسماء، بل رئيس واحد هو العميد مناف طلاس الذي طُُرِح اسمُه منذ بدايات الثورة، وأذكر أنّ إحدى مذيعات فرانس 24 سألت المعارض الراحل ميشيل كيلو إنْ كانت المعارضة تقبل بطلاس فأجاب: ليكن! والغريب أنّ نغمة "المجلس العسكري" أصبحت تُطرح على بساط سيناريوهات الحلّ السوري، منذ تلك الأيام، بمعدّل مرّة كلّ سنتين، تقريباً، وتكاد الموافقة عليه من جماهير الثورة والمعارضة أن تكون شاملة، ومَن يشكّك في صلاحه للمهمّة يُقَابَلُ بسيلٍ من الردود، أبرزُها أنّه ليس مع النظام مثل والده، ولم يرض أن تُلوّث يداه بدماء الشعب، فآثر الانشقاق، ولا تنسى أنّ بشّار علوي، وهو سني.
ومن أكثر سيناريوهات الحلّ السوري المطروحة غرابة، ومدعاة للدهشة، ما يذكّرنا بالمثل القائل "شو لَمّ الشامي عالمغربي؟"، إذ يقال إنّ شرق الفرات، حيث قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، سيتحد مع غربي الفرات (حيث هيئة تحرير الشام بزعامة أبو محمد الجولاني)، أو "قسد" مع السويداء، وهذه قُوبلت، فور صدورها، بخلاف على منصّة "يوتيوب"، بين إعلاميين "قسديين"، وآخرين سويدائيين، فنزلت مكانها فكرة توحيد ثلاث مناطق: جنوبي سورية، مع غرب الفرات، مع شرق الفرات. وهناك الآن سيناريو يحكي عن توحيد المناطق الثلاث المذكورة مع الساحل السوري، ما يجعلنا نتساءل: ما الحكاية يا شباب؟ ألم يعد الساحل تحت سيطرة النظام؟
يُمكننا، أخيراً، أن نتساءل عن سرّ هذا الاستعصاء الذي يتّخذُ، في بعضِ الأحيان، طابعاً تراجيكوميدياً. والجواب، في رأي محسوبكم، أنّ الذين يُصدّرون لنا هذه السيناريوهات يريدون إقناعنا بأنّهم ليسوا متشبّعين بالحالة الثورية فحسب، بل يشتغلون، كذلك، في حقل السياسة، ويتقنون المناورة والتكتيك، ولكنهم يخجلون من التطرّق إلى الحقيقة المرّة القائمة على الأرض، أنّ نظام الأسد ما يزال مسيطراً على القسم الأكبر من سورية، وأن مَن يبحث عن حلٍّ للقضية بمعزلٍ عنه لن يصل إلى شيءٍ قط.