سوء الحظ السوري

03 فبراير 2024

إغراء في حفل تكريم فنانين سوريين في دمشق (صفحة نقابة الفنانين في سوريا فرع دمشق في فيسبوك)

+ الخط -

تداول السوريون قبل أيام على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع من حفل تكريم نقابة الفنانين السوريين في دمشق روّادا في الفن ممن ما زالوا في سورية على قيد الحياة، منهم ممثلون ومغنّون أحالهم التقدم في السن إلى التقاعد بعد سنوات طويلة من العطاء شكّلوا فيها ملامح الفن السوري، السينمائي والتلفزيوني، في المرحلة التي سبقت ظهور شركات إنتاج الدراما التلفزيونية مع بدايات القرن الحالي، والتي كانت ترتبط بشكل غير مباشر بدائرة النظام الأمنية والاقتصادية، حيث كانت تلك الشركات مملوكة لأبناء الدائرة الضيّقة التي كانت تحيط بالرئيس الأسبق حافظ الأسد، والذين أحاطوا بوريثه بشّار بعده. ويمكن القول إن شركات الإنتاج تلك كانت واحدة من طرق تبييض أموال الفساد، رغم أنها ساهمت في دعم الدراما السورية (السيناريو والإخراج والديكور والتمثيل والموسيقى التصويرية)، وكسرت الاحتكارين الخليجي والمصري، وقتها، لهذا النوع من الفنون، وتخفّفت من القيود المفروضة على الدراما لصالح الجرأة في المواضيع المقدّمة والجرأة في الحوار والإخراج والتمثيل، ما ساعد صنّاع الدراما السورية على التنافس والتجاوز، وهذه نقاط تُحسب لتلك الشركات، وكان يمكن أن تصل بالدراما السورية إلى مستوياتٍ غير مسبوقة عربيا، لولا أن الثورة السورية كشفت حقيقتها، حين عاقبت صنّاع الدراما ممن أبدوا موقفا متحفّظا من الحل الأمني الذي اعتمده النظام لقمع الاحتجاجات، عبر إجبارهم على التراجع عن موقفهم وتقديم الاعتذار العلني أو الحرمان من العمل. وهو ما جعل أصحاب المواقف المبدئية منهم يغادرون سورية لاحقا إلى غير رجعة.

وبالعودة إلى حفل تكريم رواد الفن السوري، تثير الصور التي انتشرت في النفس شعورا سيئا وغير إنساني تجاه هؤلاء الفنانين الكبار، هو شعور الشفقة مما وصلت إليه أحوالهم. وليس القصد هنا، طبعا، تقدمهم في السن، فهذه طبيعة الحياة، وإنما القصد البؤس الذي تبدو عليه هيئاتهم، هناك انكسار يظهر بوضوح في نظرات عيونهم المطفأة، هناك قهرٌ لا يُخفي نفسه يبدو جليا في حضورهم وحركاتهم، هناك بؤسٌ شديد الوضوح يظهر في ثيابهم وأحذيتهم ومظهرهم العام. وهذا أمر بالغ السوء، أن يجد أحدُنا نفسه يشعر بالشفقة على فنانين يفترض أن تُصان كرامتهم، وتُصان شيخوختهم، وتُصان تواريخهم وأسماؤهم، وأن يتم تكريمهم بغير هذه الطريقة الاستعراضية بإحضارهم إلى نقابة الفنانين (بعضهم لا يقدر حتى على المشي) ويتم منحهم شهادات يعلقونها على جدران منازلهم، بدلاً من أن تخصّص لهم معاشات شهرية تكفي احتياجاتهم، وقد سبق لمعظمهم أن تحدثوا عن أوضاعهم المادية المزرية، وعن تجاهل شركات الإنتاج لهم، مع أن كثيرين منهم ما زالوا قادرين على العمل والعطاء.

ليس خافيا أن خطوة نقابة الفنانين هذه جاءت ردّا على التكريم السعودي للفنانة السورية منى واصف (تحتكر التكريم في سورية وخارجها). وللأسف، شتان بين التكريمين، فبينما كُرّمت منى واصف بحضور عالمي وباستقبال يليق بتاريخها الطويل والعريق، ظهر زملاؤها في نقابة الفنانين في مظهرٍ بائس ومحزن على كل المستويات، مع أن بعضهم لا يقلّ في الأهمية الفنية عنها. ونذكر في هذا المقام الفنان أديب قدورة صاحب التاريخ الفني السينمائي العريق والمتميز، ولا يزال فيلمه الفهد (إخراج الراحل نبيل المالح عن رواية بالاسم نفسه للراحل حيدر حيدر) علامة فارقة في السينما السورية، لا بسبب المشاهد الجريئة لبطلي الفيلم قدورة وإغراء التي حظي الفيلم بشهرة شعبية بسببها، بل لقيمته الفنية والتاريخية ولقدرة نبيل المالح على إخراج الطاقة الكامنة في أبطال الفيلم ليظهر تحفةً لم تتكرّر كثيرا في السينما السورية، وشاهدا على زمن تلازم الحرية والفن قبل أن يبدأ نظام الأسد في فرض قيوده الرقابية السياسية والاجتماعية على كل مناحي الحياة.

وعلى ذكر إغراء، ما زالت تحتفظ بجمالها الباهر رغم مرور السنوات عليها (79 عاما)، ورغم أن الملابس التي ظهرت بها لا تليق بجمالها، لكنها تصلح لتكون أيقونة جمالٍ لا تقل عن جميلات السينما في العالم، الجمال الطبيعي الذي لم تقترب منه مشارط الجراحة التجميلية. لكنها، كغالبية السوريين، وقع عليها سوء حظ كما وقع على الجميع، أو هي لعنة آل الأسد التي دفنت كل الجمال السوري، في البشر وفي الفنون وفي الطبيعة، لم ينج منها حتى الذين خرجوا من سورية منذ زمن.

BF005AFF-4225-4575-9176-194535668DAC
رشا عمران

شاعرة وكاتبة سورية، أصدرت 5 مجموعات شعرية ومجموعة مترجمة إلى اللغة السويدية، وأصدرت أنطولوجيا الشعر السوري من 1980 إلى عام 2008. تكتب مقالات رأي في الصحافة العربية.