سلمان رشدي وذاكرة مسلم في الهند
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية
لا أثق بسهولة بالإعلام الأميركي، أو حتى بتلك القنوات، ليبرالية المظهر تخريبية المخبر، والتي تموّلها واشنطن. يكفي، مثلا، أن تقف ساعة أمام قناة الحرّة لتعرف أي توجّه سياسي أميركي يتحرّك الآن (وليس غدا). ومن الممكن أن ينقلب ذلك التوجه فجأة، وينحرف إلى طريق مخالف تماما. نرى الآن أن هذه القناة تتجّه، في بعض فقراتها الإخبارية، ضد السعودية، لأسباب خاصة بالسياسة الأميركية اللامبدئية، والمتحولة حسب المصلحة، أو ما سماها تشومسكي سياسة البعد الواحد. بعد ذلك، كيف لنا أن نعرف إن كان ما تعرّض له الكاتب الهندي سلمان رشدي محاولة اغتيال أم أنه محاولة إيذاء مفبركة؟ ألا يمكن أن نكون قد وقعنا في فخّ ما سمّاه إدوارد سعيد خيانة اللغة ومكرها في سياق أحد مقالات كتابه "خيانة المثقف"، حين تحدّث عن استخدام بعض الكتاب الغربيين عبارات محدّدة، حين يكون المتحدّث عنه عربيا أو مسلما. بأي عبارة سيكون توصيف الفعل مثلا لو كان الفاعل أميركيا من غير ذوي الأصول العربية؟
وبغض النظر عن أي توقع، ما حدث للكاتب الهندي جريمة مرذولة، ومن المهم أن تُدان شرقا وغربا. وقد عبرت عنه مقالات عربية عديدة، ومن أكثر المقالات التي أعجبتني، لتوازنها ووفرتها بالمعلومات، ما كتبه الروائي الجزائري واسيني الأعرج في صحيفة القدس العربي، حين عرج على مقولاتٍ تدين فتوى الخميني، صدر بعضها عن مشايخ دين، منهم شيخ الأزهر وقتها محمد سيد طنطاوي في قوله "أفضل رد هو قراءة النص والرد على سلمان رشدي كتابيا وإظهار أخطائه". وكذلك قول رئيس لجنة الفتوى في الجامع الأزهر: "إراقة دم المؤلف ليس من الإسلام وأصوله وقواعده في شيء". مقال آخر كتبه الجامعي الأميركي علي الأمين المزروعي (حين حلّ في عُمان زار ولاية الرستاق موطن قبيلة المزاريع، الذين كانت لهم مكانة في شرق أفريقيا استمرت قرونا). كتب المرزوعي دراسة مطولة، ضمّنها وجهة نظره الصريحة في رواية "آيات شيطانية"، ترجمها عن الإنكليزية أحمد المعيني. يدين صراحة فتوى الخميني، إلا أنه أيضا يدين رواية سلمان رشدي، لخصت ذلك عبارته "كان على رشدي أن يعرف أنه لا توجد ثقافة عظيمة يمكن إصلاحها عبر إهانتها".
يلفت كذلك في الجدل بعد الاعتداء بالسكّين على صاحب الرواية في نيويورك، أن الأخير مطلع على التراث الإسلامي، وهو أساسا هندي مسلم، حيث استثمر مقولات إسلامية من أجل أن يكتب روايته، وإنْ وضع ذلك كله في قالب أسطوري مجنّح. وقد أشار إلى هذه الاستفادة من التراث الإسلامي غير واحد من الكتاب العرب في مقالاتهم. وروايات رشدي، في العموم، سواء تلك المثيرة للجدل، أو التي تلتها وسبقتها، لا تخرج عن هذا المناخ الرابط، وأي قراءة في مجمل أعماله تري حشد الأسماء والأماكن التي تحيل إلى محيطه الهندي المسلم الذي نشأ فيه.
ويبدو أن العالم نسي، مع الوقت، سلمان رشدي، وصارت مجلات عربية تترجم له أعمالا وفصولا، وزال التوجّس، خصوصا بعد أن أسقط الرئيس الإيراني، محمد خاتمي، فتوى إهدار الدم، في خطوة سياسية للتقارب مع بريطانيا. ولكن حادثة طعن الرجل أخيرا أعادت الحديث عن أعماله، ومنها روايته المهمة "أطفال منتصف الليل" بوصفها من أهم الروايات العالمية التي فازت بعد ترجمتها إلى الفارسية بجائزة للترجمة في طهران. وأتذكّر أني قرأت هذه الرواية بالعربية بترجمة عبد الكريم ناصيف، الصادرة في 1985 في دمشق عن وزارة الثقافة السورية، في جزأين. رواية مبهرة بعوالمها الهندية العجيبة. ولأن رشدي ابن الثقافة والمحيط المسلم فقط، جاءت الرواية مليئة بالأسماء المسلمة، في مقدمتها الطبيب آدم عزيز وعائلته. كما تعدّ مثالاً على أدب ما بعد الاستعمار، بسبب تطرّقها إلى تحوّل الهند بعد فترة الاستعمار البريطاني لها. ولكني أراها أقرب إلى الواقعية السحرية، لا تقلّ قوة عن "مائة عام من العزلة" لماركيز، و"الذرة الرفيعة الحمراء" للصيني مويان، وهما الروايتان اللتان دفعتا إلى نيْل كاتبيها بجائزة نوبل للآداب.
كاتب وقاص عُماني، صدرت له تسع مجموعات قصصية، وأربع روايات، فاز بعدة جوائز عربية