سردية "نوبل" العربية

08 أكتوبر 2014

نحن العرب لانكترث بـ"نوبل" ولا نحلم بمنافسة الفائزين بها

+ الخط -

أمّا وأن الأسبوع الجاري هو موسم إعلان الفائزين الجدد بجوائز نوبل في حقولها الستة، فإنه، أيضاً، الموسم السنوي للحدوتة العربية إياها، عن عدم انتباه مانحي جائزة الآداب إلى أدبائنا، وبعضُهم أعلى كعباً من بعض من نالوها، وعن التسييس الذي يظلمنا بشأن جائزة نوبل للسلام، والتي لم نعد نحترمها منذ زمن، (مع التقدير الواجب لصديقتنا الثائرة اليمنية، توكل كرمان). وفي غضون الكلام التقليدي الذي نزيد ونعيد فيه، كيفما اتفق غالباً، في الحدوتة نفسها. لم يعد مسلياً تحزيرُنا ما إذا كانت جائزة الآداب ستُمنح للشاعر أدونيس، المرشح العتيد في قوائمها. ...
نعرف، نحن العرب قدَرنا، والمطرحَ الضئيل الذي نقيم فيه، فلا نكترث بمن يفوزون بجوائز نوبل في الطب والكيمياء والفيزياء، ولا نحلم بمنافستهم، ولا نشعر بحاجةٍ إلى معرفة كشوفاتهم والجديد الذي ينفعون البشرية به. كأننا ضيوفٌ عابرون في هذا الكوكب، لا نُشغل مداركنا بالذي يراكمونه في مسار التقدم العلمي المتسارع في العالم. ما علينا إلا أن نستهلك ما تنتجه أدمغتهم، عندما يتمثل في مصنوعاتٍ وتقنياتٍ وعلاجات. يكفينا هذا، فالأكثرُ دَعةً أن ننام على قناعتنا بأن نجيب محفوظ ما أُعطي جائزة نوبل للآداب إلا لأنه يؤيد صلح مصر مع إسرائيل، وأن أدونيس إذا أُعطيها غداً الخميس، فلأنه يُناهض الأصوليين والتكفيريين والمتدينين الإسلاميين، وثمة حربٌ كونية الآن ضد الداعشيين من هؤلاء، وإذا لم ينل الجائزة، فلأنه عربي.
كيف يضع الدماغ خريطةً للمكان المحيط بنا، وكيف يمكننا أن نجد طريقنا في محيطٍ معقد، وكيف نخزّن المعلومات في أدمغتنا؟ هذه بعض أسئلة انشغل بها الفائزون الثلاثة بجائزة نوبل للطب للعام الجاري، وأُعلن، أول من أمس الإثنين، عن منجزِهم الذي يَفيدُ منه طب الأعصاب، ولا سيما بشأن مرضى الزهايمر. هم بريطاني أميركي وزوجان نرويجيان، ولا يضرب صاحب هذه السطور في الرمل لو خمَّن (أو أكد على الأصح) أن لا مكان لشواغلهم في أيٍّ من كليات الطب والعلوم في الجامعات والمعاهد العلمية العربية، بدليل أن أي رئيس حكومة عربية لا يجهر بخجله عندما تُعلَن في قوائم موثوقة مراتب الجامعات الأكثر تطوراً وعطاءً في العالم. وإذ في البال أن المصري، الأميركي الجنسية، أحمد زويل، أبهجنا فوزُه بجائزة نوبل في الكيمياء (1999)، فإن البيئة العلمية والمختبرية والبحثية التي ابتكر فيها "الفيمتو ثانية" هناك في الغرب الأميركي، وليست في الشرق العربي السعيد، ولا في مصر التي قيل إن الرجل طرح مشروعاً وطنيا تنموياً للبحث العلمي والتقني فيها، ثم لا حس ولا خبر عنه. 
نعم، يستحق أدونيس جائزة نوبل للآداب، كما أمين معلوف وربيع جابر وبهاء طاهر والطيب الصديقي وآسيا جبار وغيرهم، كما استحقها الراحلون محمود درويش ويوسف إدريس ومحمد زفزاف وغيرهم. نعم، لم يستحق الجائزة إيمري كيرتس وهيرتا مولر وألفريدي يلينيك وغيرهم. ولكنْ، يحسن بنا، نحن العرب، أن نتخفّف من وطأة هذه المظلومية في سرديتنا عن "نوبل"، فنتذكّر أن الجائزة منتوج غربي، أي من هناك، حيث لا عيون تريد أن ترى التقتيل الطائفي ضد المسلمين في أفريقيا الوسطى وبورما، وتُعميها عن فنانينا وشعرائنا حماقات صدام حسين وأسامة بن لادن وأبو بكر البغدادي. وليس من البكائية في شيء أن يُعاد، هنا، وإنْ للمرة المليون، كلامنا عن مركزية الغرب وهامشيتنا في العالم، غير أن العرب بارعون، أَيّما براعة، في الركض سريعاً القهقرى، ليس بإنتاجهم داعش وأخواتها فقط، بل، أيضاً، لأنَّ لا مختبر في كليةٍ للعلوم في جامعةٍ عربيةٍ في وسعه أن يُدهش العالم بابتكارٍ جديد. .. هي تهنئة، هنا، لذينك الزوجين النرويجييْن، وزميليهما البريطاني الأميركي، وتهنئة مشتهاة لأدونيس.


 

معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.