روسيا ودعوة "المتطوعين"
الحديث الروسي قبل أيام قليلة عن فتح الباب للمتطوعين من الشرق الأوسط للقتال إلى جانب القوات الروسية في أوكرانيا يعيد المسألة السورية إلى الأذهان، بعدما تحوّلت الأراضي السورية قبل عقد إلى ساحة لكل الراغبين في القتال، سواء إلى جانب النظام هناك أو ضده. الأمر نفسه اليوم يحصل على الأراضي الأوكرانية، والأمر ليس حكراً على الطرف الروسي، إذ سبق للحكومة الأوكرانية والحكومات الغربية أن أعلنت السماح للمتطوعين بالذهاب والقتال في أوكرانيا. واللافت أن الدعوتين، الروسية والغربية، لاقتا استجابة من مقاتلين، ليس فقط من الشرق الأوسط، بل من دول غربية عديدة.
قد تكون الدعوة الغربية أو تشجيع المقاتلين مفهومة، على اعتبار أن هذه الدول ليست راغبة بالدخول بشكل مباشر في الحرب، وبالتالي فهي تسعى إلى تقديم المساعدات للطرف الأوكراني بالحد الأدنى الممكن، إلا أن الكلام الروسي، والرغبة بالاستعانة بـ"متطوّعين" من أصحاب الخبرة في قتال الشوارع، يوحي بأن الأوضاع على الأرض لا تسير في مصلحة جيش بوتين، وهو الذي كان يأمل في حسم المعارك والوصول إلى كييف في أسرع وقت ممكن، وعدم الدخول في حرب استنزاف طويلة الأمد.
ورغم أن مبرّر الروس في اللجوء إلى المرتزقة هو وصول "كميات هائلة من طلبات التطوع"، و"أن لا مانع من ذلك، بما أن الأوكران والغربيين سبق أن فتحوا الباب للمتطوعين"، إلا أن الإعلان عن ذلك بشكل رسمي يمثل ما قد يكون طلباً غير مباشر لأطرافٍ أخرى للدخول إلى جانب القوات الروسية في المعركة. إذ لم يكن تحديد الشرق الأوسط مصدراً لهؤلاء المتطوعين اعتباطياً، فالمقصود، بشكل أساسي، هو المقاتلون الموجودون في سورية، والذين خبروا حرب الشوارع خلال السنوات العشر الماضية. وإذا كان حصل بالفعل انتقالٌ لمقاتلين سوريين بالدرجة الأولى، سواء نظاميين أو غير نظاميين، إلى الأراضي الأوكرانية، فإن غاية الإعلان الروسي لم تكن هؤلاء بالأساس. فمن المعلوم أن تغيير مسار الحرب في سورية لمصلحة النظام لم يصنعه المقاتلون السوريون بالدرجة الأولى، بل التدخل الإيراني بداية ومن بعده الروسي. هذا لا يعني أن موسكو لا تحتاج إلى المقاتلين السوريين أو غيرهم من جنسيات الشرق الأوسط، ولا سيما أنها تهدف إلى تقليل خسائرها البشرية والتضحية بـ"المتطوعين" واستخدامهم وقوداً في المعارك والاقتحامات.
لكن الهدف الروسي الأكبر في المرحلة الحالية هو زجّ من يمكن تسميتهم "الحلفاء المفترضين" في الحرب الأوكرانية، والإعلان عن فتح باب التطوّع قد يكون رسالةً غير مباشرة إلى إيران بشكل أساس لمساعدة موسكو في مأزقها الأوكراني. وتوجيه الرسالة بهذا الشكل مرتبط بحالة التوتر الآنية في العلاقة بين موسكو وطهران، على خلفية إفشال روسيا مفاوضات إحياء الاتفاق النووي، بعدما وضعت شروطاً وتحفظاتٍ عرقلت التوقيع، بعدما كانت إيران والولايات المتحدة قد قطعتا شوطاً كبيراً نحو إبرام الاتفاق. وطهران حالياً لا تخفي امتعاضها من التصرّف الروسي، بعدما كانت تعد العدة للخروج من العثرات الاقتصادية الداخلية التي تسببها العقوبات الغربية.
التجاوب الإيراني مع الانفتاح الروسي على استقبال "المتطوعين" مستبعد في المرحلة الحالية، في ظل حاجة طهران بشكل كبير إلى إبقاء الباب مفتوحاً لاحتمال العودة إلى الاتفاق النووي، وبالتالي، ليس من مصلحتها الآن الدخول في مواجهة، مباشرة أو غير مباشرة، مع الغرب، سواء عبر إرسال مقاتلين أو غضّ الطرف عن مشاركة فصائل محسوبة على إيران في المعارك الروسية. غير أن هذا الموقف الإيراني قد لا يدوم طويلاً، وهو يتوقف على مسار المفاوضات وأيضاً مسار الحرب، وإلى أي مدى قد تصل خسارة روسيا على الصعيد الاستراتيجي.