رفقاً بحزب الله
نتزيّد ربما، لو فعلناها، وقلنا إنه فيما تنشط عدّة دولٍ في محاولتها الحدّ من جموح إسرائيل في استهدافها لبنان، وتضرب في أثنائه حزب الله، ناساً وقوّةً تسليحيةً وفضاء اجتماعياً، صار ملحّاً أن تنشط محاولاتٌ تجاه كتّاب وإعلاميين ومثقّفين عرب، وبينهم أصحابٌ وأصدقاءُ لنا، للحدّ من طخّهم على الحزب، واستدعائهم أراشيفه، واستقوائهم عليه بغليظ العبارة، في كتاباتٍ وتدويناتٍ وإطلالاتٍ إعلامية. نتزيّد في هذه المشابهة لو فعلناها (هل نفعلها؟)، لكننا أبداً لا نخطئ لو شدّدْنا على أمريْن معاً: نعم لحرّية الرأي والتعبير التي لا يجوزُ إلا أن تكون مُصانة، ولا لنقصان المروءة في حمل السكاكين التي قال المثل المأثور إنها تكثُر على الجمل عندما يَطيح. وإنْ لا موضع لمفهوم المروءة، في غضون الجدالات والنقاشات ومبادلات الآراء والقناعات، فهو يكادُ ينتسبُ إلى أعرافٍ قبليّةٍ، أو أقلُّه إلى أخلاقٍ مستحسنة، لكنه أبداً لا يمتّ بشيءٍ إلى الاشتغال في النقاش العام. وليس المقصود هنا أن يُؤاخَذ الواحدُ منا على ما قد يجدها أسباباً أخذت حزب الله إلى المحنة الكبرى التي يُغالبها منذ نحو شهر، وقد تبيّن أنه منكشفٌ جدّاً أمام القدرات الاستخبارية والعسكرية الإسرائيلية المتفوّقة، وإنما مقصودٌ أن يُؤاخَذ على ما قد تشفّ عنها لغتُه من غبطةٍ ظاهرةٍ لهذه الحال التي صار عليها الحزب، صدوراً عن المواقف إياها، والمحقّة في بعضها على ما يرى صاحب هذه الكلمات، مما سلكه الحزب، المتغلّب، المزهوّ بقوته، المُكابر، في غير شأنٍ لبناني وسوري وعربي، ويجوز الذهاب إلى أن أوهامه عن نفسه من أسباب ما هو فيه حالياً.
ولكن، مهلاً، لسنا أمام رأي نتفّق عليه أو نختلف فيه، وإنما أمام موقفٍ لا يجوزُ في خصوصه جدلُ الصحّ والغلط، بشأن قوة غزوٍ وعدوانٍ واحتلال، اسمُها إسرائيل، وهذه لا يعنيها ابتهاج السوري فلان أو اللبناني علّان بتصفية حسن نصرالله وقبله إبراهيم عقيل وبعده ربما هاشم صفي الدين، وإنما الإجهاز على قوّةٍ في المنطقة تُقلقها وتُتعبها. ولهذا، يصحّ نقل المسألة من مربّع المروءة أعلاه إلى المساحة التي يقيم فيها المحرّم وغير المحرّم، أي بالضبط مساحة الاصطفاف مع العدو أو ضدّه. هذه هي الثنائية الأوضح، ولا تبسيط مخلّاً في قضية عويصة ومعقّدةٍ أبداً، فالتعقيد حادثٌ في كل ظاهرة، في كل مسألة، في كل وجود وجوهراني، في طبيعة حزب الله، في تكوينه ومذهبيّته وولاءاته وحساباته الإيرانية وغير الإيرانية. لسنا هنا الآن، وإنما هناك، في قوةٍ تُعلن، من دون أي توريةٍ، أنها قد تفعلها وتحتلّ شيئاً من جنوب لبنان، وأنها ستضرب في أي مكانٍ في بيروت وفي عموم لبنان. وليس يخفى على أيّ ناظرٍ في قوة النيران الإسرائيلية أنها ليست عمياء، فالقنابل تتّجه إلى بيئاتٍ وأوساطٍ بعينها، الشيعيّة بالفصحى المريحة. ولهذا، ولغيره، من بالغ الأهمية (هل نقول الشهامة والمروءة؟) أن يتخفّف الناقمون على حزب الله من البرود السياسي إياه، ومن فائض الموضوعية التي تُعلي أولوية حرّية القول والنقد والانتقاد على أي اعتبار.
هل يرتدي هذا الكلام نبرةً وعظيّة، بل وتعليميّة، بل وتعالماً في بديهياتٍ، أولُها أن لكل مقام مقالاً، وليس آخرها أن إسرائيل هي التي تقتل في حزب الله، ولست أنت خصمه قد تغلّبت عليه؟ لا حرج في الإجابة بأن هذا صحيح. لكن الأدعى للسؤال ما إذا كان إشهار هذا الكلام واجباً أم لا. والقول أيضاً إن ضجيج مهرجانات الشماتة المبغوضة، وكذا قرون استشعار اغتنام فرصٍ تُفسحها إسرائيل أمام خصومٍ للحزب من صنفٍ آخر، لمزيدٍ من الانقضاض عليه، يفرضان رفع بطاقاتٍ حمراء بلا عدد، والجهر بنقاط نظامٍ غزيرة. ... وزيادةً لمستزيد، لنبقَ، نحن الذين في ضفّةٍ أخرى غير التي يقيم فيها حزب الله، على خصومتنا معه، على تشهيرنا الموثّق بأفعاله الفادحة ضد آلاف السوريين في بلدهم، على رفض منطقٍ أقام عليه، ينهضُ على الاستئثار والتعطيل والمخالفة والعناد والتخويف في لبنان ضد من أرادوا تحقيقاتٍ قضائيةً مهنيةً في غير واقعة (تفجير مرفأ بيروت مثلاً)، ومن أرادوا اختيار رئيسٍ وفاقيٍّ للجمهورية، ومن أرادوا حرباً محقّة على الفاسدين وحُماتهم. ... وأسباب الخصومة مع الحزب المسلّح وفيرة، غير أنها، على ما استرسلت السطورُ أعلاه، لا تبرّر أبداً انتهازيةً تغتبط بقوة المقذوفات الإسرائيلية على الضاحية والبقاع والجنوب للخلاص من حزب الله وقياداته، ولا تبرّر إشهار السكاكين وقد طاح الحزبُ جملاً جريحاً مدمّى ... رفقاً به، يا رفاق.