رسائل خطاب نصر الله

05 نوفمبر 2023

حسن نصر الله يخاطب مستمعيه عبر شاشةفي الضاحية الجنوبية شرق بيروت (3/11/2023/فرانس برس)

+ الخط -

بعد ثمانية وعشرين يوماً من بدء العدوان على قطاع غزّة، كسر الأمين العام لحزب الله اللبناني، حسن نصر الله، صمته ليخرج بخطابٍ كان منتظراً من الفلسطينيين واللبنانيين وعموم العرب، إضافة إلى الغرب. خطاب حمل في طياته الكثير من الرسائل الصريحة والمبطنة، والتي خيّبت آمال غالبية الفلسطينيين والعرب، فيما أثلجت صدور الإسرائيليين، ولبنانيين كثيرين كانوا يخشون دخولاً مباشراً لحزب الله في الحرب، ما سيؤدّي إلى عدوانٍ إسرائيليٍّ يدمّر لبنان، بحسب الرسائل التي حملها المبعوثون الغربيون إلى بيروت.

قال نصر الله كلاماً صريحاً وآخر موارباً، يمكن قراءة الكثير بين سطوره، بدايةً من التأكيد، أكثر من مرّة، على عدم علم الحزب وإيران بعملية طوفان الأقصى التي قامت بها حركة "حماس" في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ورغم كيْل المديح للعملية ونتائجها وتأكيد أنها لم تؤثّر على "تحالف المقاومة"، إلا أن الأمر لا يبدو كذلك، فالانتظار الطويل قبل الخروج بموقف، أو لا موقف، من نصر الله، يشير إلى نوعٍ من العتب على حركة حماس، وذراعها العسكرية بالتحديد، لعدم وضع الحزب في صورة ما يُحَضَّر له، وزجّه رغماً عنه إلى حربٍ لا يريدها، أو غير جاهز لها في المطلق، وهو ما بدا واضحاً في بقية الخطاب.

في السياق نفسه، كان تشديد نصر الله على أن العملية "فلسطينية بالكامل"، وأن "المعركة فلسطينية بالكامل"، في أول إشارة في الخطاب، والذي كان في مجمله تحليلاً سياسياً وعسكرياً ضعيفاً، إلى أن الحزب ليس في وارد الدخول في هذه المعركة "الفلسطينية"، رغم أنه أقرّ بأن نتائجها ستؤثّر على لبنان والمنطقة في وقت لاحق، في حال نجحت إسرائيل والولايات المتحدة في تحقيق الأهداف التي وضعتاها للحرب.

وإذا لم تكن الإشارة السابقة واضحةً في عدم رغبة حزب الله بالدخول في الحرب، فإن نصر الله قرّر قول ذلك بشكل أوضح وأكثر صراحة، حين وضع معادلةً للوقت الذي يمكن للحزب فيه أن يوسّع عملياته ضد إسرائيل. معادلة قوامها عنصران، بحسب قول الأمين العام لحزب الله. والعنصران لا يشيان بأن المعركة ستمتدّ في المدى المنظور. الأول "تطورات المعركة في الميدان"، والمقصود هنا ميدان قطاع غزّة. والعبارة بحد ذاتها حمّالة أوجه وتخضع لمعايير استنسابية، فقرار التطوّرات الميدانية وما إذا كانت تستدعي تدخّلاً من حزب الله خاضع للحزب نفسه، غير الراغب في الحرب، فالمجازر الإسرائيلية اليومية وبدء العملية البرّية والسير بخطى حثيثة نحو مخطط تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، ليست تطوّرات كافية في نظر الحزب للدخول الآن في المعركة.

العنصر الثاني في معادلة نصر الله شنّ إسرائيل عدوانا على لبنان، والمقصود هنا حرب واسعة، لأن الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان يومية منذ بدء الحراك على جبهة الجنوب اللبناني بعد 7 أكتوبر، وأدّت إلى سقوط ضحايا مدنيين، بالإضافة إلى نحو 50 عنصراً من حزب الله، وهو رقم كبير نسبياً إذا اعتبرنا أن الحزب لم يدخل المعركة بعد. يدرك نصر الله أن العدوان الإسرائيلي على لبنان غير مطروح على طاولة الحكومة الإسرائيلية، ولا في أذهان الولايات المتحدة، بل على العكس، فإن الإشارات التي تصدُر يومياً من الطرفين تؤكّد عدم الرغبة في توسيع المعركة وفتح حربٍ مع لبنان قد تتدحرج إلى مواجهة إقليمية. لذا، العنصر الثاني في المعادلة مضمونٌ عدم حدوثه، وبالتالي لن يدفع الحزب إلى الدخول في الحرب.

لم يكن مطلوباً من نصر الله أن يخرج ويعلن الحرب على إسرائيل، فللحزب حساباته الداخلية والخارجية، إضافة إلى الوضع اللبناني الهشذ الذي يمنعه حالياً من الدخول في المواجهة، لكن أيضاً لم يكن مطلوباً منه أن يخرج بخطابٍ كهذا، لا يمثل إلا رسالة طمأنة لإسرائيل والولايات المتحدة بأن امضيا في عدوانكما ونحن هنا متفرّجون.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".