رابحون وخاسرون من هزيمة ترامب
على الرغم من مرور نحو أسبوعين على الانتخابات الأميركية، واتضاح هوية الفائز فيها، ما زالت عواصم العالم تترقب انتهاء حالة الغموض والارتباك التي يسببها رفض الرئيس ترامب الاعتراف بالنتيجة وتسهيل عملية انتقال السلطة إلى الرئيس المنتخب. مع ذلك، لا تقلل كل المناورات التي يقوم بها ترامب للتمسّك بالسلطة من حقيقة أن جو بايدن قد أصبح الرئيس 46 للولايات المتحدة، وأنه سوف ينتقل للعيش في البيت الأبيض بحلول 20 يناير/ كانون الثاني المقبل. ويتصل السؤال الآن فقط بكم الإحراج الذي سيتسبب به ترامب، قبل أن يسلم أخيرا بخسارته، وكم الضرر الذي سيلحقه بصورة بلاده على الساحة الدولية قبل أن يقرّر الرحيل، وهل إذا هو ما رحل سيلتزم الهدوء ويبتعد عن الأضواء، كما فعل أسلافه من رؤساء، أم أنه سيتحول إلى قطب المعارضة الرئيس في الحياة السياسية الأميركية، وينغّص على بايدن كل لحظة من لحظات رئاسته؟ ستجد هذه الأسئلة إجاباتها خلال الأسابيع المقبلة. ما يهم الآن أن دول العالم تتصرف على أساس أن عهد ترامب قد انتهى، وتحاول أن تتأقلم وتتموضع على هذا الأساس.
وكما حال كل شأن، يمكن تمييز رابحين وخاسرين من هزيمة ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية. في أوروبا، مثلا، يمكن التمييز بين دول شرق القارة وغربها، ففي الغرب لم تتمالك ألمانيا نفسها للتعبير عن غبطتها بفوز بايدن، فكانت أول المهنئين، إذ انتهى بالنسبة إليها كابوس ترامب الذي وضع نصب عينيه تفكيك الاتحاد الأوروبي، وكاد يقضي على أسس التحالف الذي نشأ بين واشنطن وبرلين منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. فرنسا أيضا سعيدة برحيل ترامب، خصوصا أنه درج على معاملة رئيسها إيمانويل ماكرون باحتقار شديد، بعد أن حاول الأخير التذاكي عليه ومحاولة احتوائه، عبر حركاتٍ مبالغ فيها في المصافحة والتربيت على الكتف في لقائهما الرسمي الأول. وقد ساهم ترامب في إحباط أكثر سياسات ماكرون الخارجية، من شرق المتوسط إلى شمال أفريقيا، وسخر من تعامله مع احتجاجات السترات الصفراء. أما بريطانيا، فقد كانت أقل سعادة برحيل ترامب، على الرغم من حالة عدم الارتياح التي طبعت العلاقة بين ترامب ورئيس الوزراء بوريس جونسون. وتعتقد لندن أن فرصة التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة مع واشنطن كانت أكبر بوجود ترامب الذي شجعها على الخروج من الاتحاد الأوروبي. وقد بدأت تظهر للتو ملامح توتر في العلاقة بين بايدن وجونسون الذي انتظر طويلا، كما نقلت صحف بريطانية، حتى يجيب بايدن على اتصالاته الهاتفية. وقد حذّر بايدن الذي ينحدر من جذور كاثوليكية أيرلندية جونسون من محاولة المساس باتفاقية السلام في شمال أيرلندا (اتفاقية الجمعة العظيمة)، في حال قرّر خرق اتفاقية الخروج مع الاتحاد الأوروبي، وتمسك بإعادة فرض الحدود بين شمال أيرلندا والجمهورية الأيرلندية. أما دول شرق أوروبا، خصوصا منها بولندا والمجر، وكذلك الأحزاب اليمينية المنتشرة على امتداد القارّة، فتعد الخاسر الأكبر من رحيل ترامب الذي مثل بالنسبة إليها تجسيدا لحلم وصول اليمين إلى الحكم، وترجمة أفكاره إلى سياسات. وكان ترامب قد جعل من بولندا والمجر محور تحالفاته الأوروبية، وقرّر نقل القوات الأميركية الموجودة في ألمانيا إلى بولندا الصيف الماضي كناية عن ذلك.
تعدّ روسيا أيضا خاسرة من فوز بايدن. وإذا تجاوزنا الآمال التي كان يعقدها الرئيس بوتين على تحسن العلاقات مع واشنطن في ولاية ترامب الثانية، فإن العلاقة الشخصية مع بايدن تفتقر إلى الود، منذ كان الأخير نائبا للرئيس في ادارة أوباما، ومسؤولا عن الملف الأوكراني. وقد وعد بايدن، في حملته الانتخابية، باتخاذ مواقف أكثر تشدّدا من روسيا، ومعاقبتها على محاولتها التدخل في الانتخابات الأميركية عام 2016. وتعدّ تركيا أيضا من الخاسرين في انتخابات الرئاسة الأميركية، فالعلاقة مع بايدن تتسم بعدم الارتياح، خصوصا بعد أن تعهد في أثناء حملته الانتخابية بدعم المعارضة التركية "لإطاحة" الرئيس أردوغان. ويعد بايدن أيضا نصيرا للقضايا الكردية، وقد سارع المبعوث الأميركي إلى سورية، جيمس جيفري، وهو مهندس التقارب الأميركي مع تركيا في عهد ترامب، إلى الاستقالة، بمجرد اتضاح فوز بايدن، ويتوقع أن يحلّ بريت ماكغورك محله، وهو مهندس التحالف الأميركي مع الأكراد في عهد أوباما.