ديانا والطقس الملكي الفلكلوري
أعادت مراسم تتويج تشارلز الثالث ملك بريطانيا وزوجته الملكة كاميلا إلى العالم سيرة الأميرة الراحلة ديانا، الزوجة السابقة للأمير تشارلز ووالدة ولي العهد البريطاني الأمير وليم. كانت الاستعادة في معظمها تحسّرا على مصير الأميرة الراحلة وعن أحقيّتها بالتاج، ومقارنة بينها وبين كاميلا، الملكة الحالية التي شيطنها غالبية البشر مقابل الصورة الملائكية للأميرة الراحلة، التي يُغفل جميع ما ارتكبته من أخطاء في حياتها، ويجري تحميل زوجها الأمير تشارلز وحبيبته كاميلا المسؤولية الكاملة عن كل ما حدث لها ومعها.
في مسلسل "التاج البريطاني"، الذي عرضت شبكة نتفليكس جزءا خامسا منه العام الماضي، تظهر العلاقة المضطربة منذ بداية الزواج بين الأمير تشارلز والليدي ديانا، فالزواج لم يحدُث نتيجة قصة حبٍّ طبيعية. كان تشارلز مغرما بكاميلا زميلته في الجامعة، لكن العائلة المالكة لم تكن راضيةً عن هذا الحب، فكاميلا لا تنتمي إلى النبلاء، ما جعل العائلة المالكة تفرض على أسرة كاميلا زواجها من ضابط بريطاني كان معجَبا بها. حدث الزواج وأنجبت منه ولدين، في وقتٍ كان يتم فيه التخطيط لربط تشارلز مع شابّة من عائلة نبيلة. كانت الليدي ديانا سليلة عائلة سبنسر، الشابّة الصغيرة الجميلة، مناسبة تماما لما يريده قصر باكنغهام؛ وحدث الزفاف الذي كان يشبه الأساطير لشدّة بذخه. لكن الزواج لم ينجح، فالأمير لم يشعُر بأي ارتباطٍ عاطفيٍّ مع عروسته الشابة الجميلة، رغم إنجابه ولدين منها، بقيت عواطفه مع حبّه الأول والوحيد، كاميلا التي لم تكن تملك حظ الليدي ديانا من الجمال ومن الأصل النبيل؛ قلة حظها تلك كانت وبالا عليها وسببا في شيطنتها منذ ظهرت حكايتها إلى العالم بعد سنوات قليلة من زواج تشارلز وديانا وحتى تتويجها ملكة قبل أيام.
والحال إن قصة حب تشارلز وكاميلا تصلح لأن تكون الأسطورة، فالحب بينهما لم يتوقّف من لحظة تعارفهما رغم كل الظروف، ورغم كل ما حدث، ورغم أن ديانا كانت نجمة مشعّة والمرأة الأكثر شعبية في العالم، والمثال الذي رغبت غالبية نساء العالم في التشبّه به، إلا أن ذلك كله لم يستطع أن ينزع حبّ كاميلا من قلب تشارلز، ولم يستطع أن ينسيه إياها، واستمر في تعلقه بها، رغم كل الهجوم الذي تعرّض له من الاعلام والصحافة البريطانية والعالمية، ورغم كل محاولات تشويه علاقته بها. طبعا علينا التنويه هنا بأن الحديث عن العلاقة الجميلة التي ربطت تشارلز وكاميلا لا يعني نسيان انتمائهما إلى عائلة ونظام استعماري واستعلائي وعنصري أصبح الآن أشبه بطقس فلكلوري بكل احتفالاته ومناسباته وأخباره وترف أفراده الذين يعيشون عالة على الشعب البريطاني الذي يعاني من أزماتٍ اقتصادية كبيرة. في هذا السياق أيضا لا يمكن أن ننسى أن "أميرة القلوب" ديانا بقيت متمسّكة بأن تكون واحدة من هذه العائلة، لولا إصرار تشارلز على علاقته بكاميلا، وبالتالي خروج ديانا من "السيستم" ورحيلها لاحقا.
ما الذي إذاً جعل الناس تكره كاميلا وتعشق ديانا، رغم أن قصص الحب الأبدية (كقصة تشارلز وكاميلا) تحظى دائما بشعبيةٍ وتعاطف؟ السبب غالبا أن ديانا كانت في زفافها تشبه الأميرات اللواتي قرأنا عنهن في الحكايا الشعبية وفي الأساطير، كانت صورة عن مخيّلتنا لما يجب أن تكون عليه الأميرة: طويلة شقراء بقوام رشيق وعنق طويلة، كانت الصورة المثلى عن المقياس الذي جرى تكريسه حول الجمال الأنثوي في المخيّلة الشعبية، بينما كانت كاميلا الصورة المضادّة تماما لها، وهو ما جعل البشر يستهجنون تعلق تشارلز بامرأة غير جميلة مقارنة بديانا الفاتنة المتيّمة بأمير لم يكن وسيما، ولم يكن قويّ الحضور، ولم يكن حرّا في اتخاذ قرارات شخصية تتعلق بحياته.
لكن، أليس في تعلّق ديانا، المحبوبة، برجلٍ لا يهتم بها، ولا يكترث لها، ولا يملك مواصفات مميزة سوى أنه ولي العهد، دليلا على رغبتها في الاستمرار عضوة في العائلة المالكة، ما يُسقط عنها الهالة التي وُضعت حولها في حياتها وأسطرتها بعد رحيلها؟ لو أن تشارلز أحبّ ديانا لما كانت قد ماتت الآن، ولكانت هي من تتوّج اليوم ملكة في حفل فلكلوري كلّف ملايين الجنيهات الإسترلينية، في الوقت الذي يموت فيه الملايين من البشر جوعا وفقرا وبردا نتيجة السياسات العالمية التي كان التاج البريطاني، وما زال، عنصرا أساسيا فيها.