خلطة سوريّة سحريّة:
ثورة مع معارضة

18 أكتوبر 2014
+ الخط -

حضر المواطن (س. ع.)، بالمصادفة، جلسةً صغيرة ضمّتْ مجموعةً من الثوار والمعارضين السوريين، وحينما خرج من الجلسة، قال لصحبه: والله إني رأيتُ العَجَب!
وحكى لهم بعضَ الوقائع:
بينما بدأ أحدُ المعارضين بتحليل الوقائع، والملابسات، و"الماجَرَيَات"، والاعتبارات، وحاول أن يقف على المحددات، والاحتمالات، والممكنات، والاستحالات، ويضع المخططات، والتطلعات للمرحلة الحالية، والمراحل المقبلة، ضاق واحدٌ من الثوار ذرعاً بهذه السفسطات، والفذلكات، والمماحكات، ونَطَّ، وما حَطَّ، وقال له:
- أنت ايش قاعد تحكي وتتفلسف؟ يا أخي البلد تُدَمَّرُ، والعالم متآمر على شعبنا، وها قد مضى علينا ثلاث سنوات ونصف، والنظام السوري المجرم ما يزال حياً يُرزق، وما فتئ يشتغل على تطبيق شعار "الأسد أو نحرق البلد".. و..
أراد السياسي المعارض أن يستردّ دفّة الحديث التي كان يمسك بها، ويعيد مجرى الحديث إلى حيث يستطيع إكمال فكرته، فقال: "أنا أقصد .."، وإذا بثائر آخر ينبري له، وهو في قمة الانفعال، ويقول له بعد أن يضرب بيده على طاولة الاجتماع:
- افتح عينيك مثل الأطباق، أنا وأخي الثائر الذي تحدث، قبل قليل، يحق لنا أن نتكلم، لأن كل واحد منّا واقف على رصيد لا يقل عن عشرين شهيداً، وأقل واحد بين هؤلاء الإخوة (مشيراً إلى الثوار) أمضى في معتقلات آل الأسد، حيثُ يشتهي الإنسانُ الموتَ ولا يبلُغه، سنةً أو أكثر، والبراميل الأسدية الحقيرة أنزلت بيوتنا وبيوت أهالينا على الأرض، ولم يبق أحدٌ من أفراد أسرنا إلا واقتلعوه من شروشه، وألقوه مثل الخرقة البالية ضمن حدود إحدى الدول المجاورة. فهلا قلت لي أنت وأمثالك أين تعيشون؟ وحينما تأتون إلى هنا في أي نوع من الفنادق تنزلون؟ ومنذ متى لم تدخلوا إلى أرض سوريتكم الحبيبة التي تَدَّعُون حبكم وإخلاصكم لها؟
تَدَخَّلَ أحدُ المعارضين، وهو رجل هادئ ذو رأي متزن، في سير الحوار، وبصعوبةٍ بالغةٍ استطاع أن يحصل على شيء من الإصغاء، وقال للآخرين إن هذه التفاصيل لا معنى لها، الآن، ما دام الوضع ملتهباً كما تقولون، وقد ازداد تعقيداً بانتقال أميركا من موقع القيادة من الخلف إلى القيادة من الأمام، وأنتم تعلمون أن التحالف الدولي الذي شكلته أميركا لم يستشر أحداً من السوريين، لا من النظام، ولا من الثوار، ولا من المعارضة.. و..
هنا خرج أحد الثوار عن طوره، وقال له بحدة:
- يجدر بك يا عمّي أن تصحح عبارة "التحالف الدولي"، وتسميه "تجمع الغزاة الدوليين"! هل تستطيع أن تقنعني بأنَّ هذه الدول لم ترَ، بأمهات أعينها، كيف يستمر النظام بقتل الشعب السوري، وتجويعه وتهجيره، منذ ثلاث سنوات ونصف؟ وهل حقاً إنهم لم يروا الكتائب الطائفية الإيرانية والعراقية واللبنانية، وهي ترتكب المذابح، في وضح النهار، بحق أبناء الشعب السوري، وتحتل أرضه؟ رأوا كل شيء، ويعرفون كل شيء، ومع ذلك، لم يتخذوا موقفاً مشرّفاً، والآن، جاؤوا ليضربوا داعش.
احتدّ المعارض الرزين، وقال له: يعني أنت تؤيد وجودَ تنظيم داعش، وتمدده، وعدوانه على حرية المواطنين السوريين والأقليات الدينية والقومية الأخرى!
احتد الثائر أكثر، وقال له: بل أنا مع مراعاة التسلسل في ضرب الإرهابيين، بدءاً من النظام وانتهاءً بداعش.
قال معارض كان ساكتاً: ماذا أسمع؟ هل نحن استكرينا جيوش العالم، لتعمل وفق مصلحتنا؟ الدول ترتّب أولوياتها حسب مصالحها..
قال ثائر آخر: طز بالدول وبمصالحها. نحن لا نريد منهم شيئاً.
واحتدمت الأمور بين الجميع.
أحدهم سألَ المواطن (س.ع.): وبعد؟ ألم ينجحوا في الوصول إلى نتيجة؟
فقال‏: لا، لكنني، أنا، نجحت. فقد تمكنت من إخراجهم من المكان بسلام، من دون أن يتبادلوا الضرب بالـ"بوكس"!


 

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...