خرّابة البيوت
تشكّل الزوجة المستقلة، صاحبة الدخل الثابت، تهديدا لمكانة الزوج واستقرار العائلة، لأن تمكّنها المادّي "يقوّي عينها"، ويفتح المجال لتمرّدها وسهولة تخلّيها عن الزوج عند أقلّ غلطةٍ يرتكبها، "شو يعني إذا مرّ بنزوة عابرة وأقام بضع علاقات سطحية على الهامش"؟ هل يستحقّ الأمر أن تنهار أسرة بأكملها بسبب هفوات بسيطة، هل خربت الدنيا مثلا؟
تحمّلت أمي مغامرات المرحوم والدي مراراً، ولم تسلم طوال حياتها من تسلّط جدّتي، وتدخّلها في كل صغيرة وكبيرة، غير أنها صبرت، ولم يخطر ببالها ولو مرّة أن "تحرَد" أو أن تفضح زوجها في العائلة، ولم تفتعل المشكلات والشجارات. فعلت ذلك من أجلنا. صحيحٌ أنها أصبحت امرأة حزينة قليلة الكلام، ساهمةً طوال الوقت، غير أن بيتَنا ظلّ صامداً متماسكاً. لو كانت أمي سيدة متعلّمة وقادرة مالياً لاختلف الأمر، ولتدمّرت أسرتنا. كانت قلة حيلتها سبباً لحمايتنا من التفكّك الأسري. قد يبدو ذلك أنانيةً لكن تلك هي الحقيقة.
هذا ما قاله الزوج الشاب ذو المظهر العصري الكاذب. بدا مقتنعاً بكل ما تفوّه به من هذربات. كانت زوجتُه قد تقدّمت أمام المحكمة الشرعية بطلب خلعه، لإستحالة استمرار الحياة الزوجية بينهما، بحسب تعبيرها، وهي المصرّة على الانفصال مهما كان الثمن، ومهما بلغت درجة تعنّته. سألته المحامية الموكّلة من زوجته عن سرّ تمسّكه بها، رغم تعدّد علاقاته العاطفية وثبوت خيانته لها بالصور والرسائل النصية. أجاب: أعترف انني أخطأت باختيارها زوجةً لي، وأنا أعلم مقدار ثروتها. أرجو أن لا تظنّي، يا أستاذة، أنني مُغرم بها. في الواقع لم أعد أطيقها، عنيدة متكبّرة، عاجزة عن المغفرة والتضحية من أجل صغارنا الذين لا ذنب لهم، لمجرّد أنها ثرية وناجحة مهنياً، وقادرة على الإنفاق على نفسها وعلى أولادها أيضاً. ثم ماذا عن كرامتي وسمعتي بين الناس رجلاً مخلوعا من امرأةٍ أنانية مثلها.
وجدت المحامية فرصة للحديث عن حلّ الطلاق بالتراضي، وحاولت الحصول منه على اعتراف بواقع النزاع الأسري الذي يجعل استمرار الحياة الزوجية بينهما من المستحيل، غير أنه ظلّ متمسّكاً بموقفه، ما اضطرّ المحامية إلى المضي في إجراءات الخلع، وهي ليست بالبساطة التي تتخيّلها بعض الزوجات. ثمّة عراقيل وتعقيدات قانونية عديدة تطيل أمد التقاضي. ما زالت القضية منظورة أمام المحكمة الشرعية، ولم تحصل الزوجة، حتى تاريخه، على مبتغاها في التخلّص من زواجٍ يحطّ من كرامتها، وينال من قيمتها، ويؤثّر سلباً على دورها أما متفانية، ترغب في تنشئة أبنائها في بيئة متوازنة خالية من المنغّصات اليومية.
لم تملك المحامية سوى مواجهته بحقيقة خياناته المتكرّرة. حاول التقليل من أهمية ذلك، وقد أخذته العزّة بالإثم، مصرّاً على أن ما اكتشفته الزوجة ليس مبرّراً لتدمير الأسرة، وعاد إلى الحديث عن أمّه نموذجا للمرأة الصابرة المضحّية المتفهّمة. لم يعترف حتى لنفسه بأنه يكرّر نموذج والده الراحل، ويفترض في زوجته أن تكون نسخة طبق الأصل عن والدته المنكسرة الصامتة الحزينة، حتى أنه لم يُبدِ ندماً أو تعهّداً بالتغيير، ثم نهض معتذراً لارتباطه بموعد عمل، بعد أن طلب من المحامية أن تنصح موكلتها بالرجوع عن موقفها، ولمّح بلهجة واثقة مطمئنة إلى أن الهيئة الحاكمة تنظر إليه بعين العطف، باعتباره ضحية تعنّت زوجته قاسية القلب خرّابة البيوت!