خبر من دمشق
أعلنت الجمهورية العربية السورية اعترافا بجمهورية دونيتسك الشعبية، ساعاتٍ بعد اعتراف روسيا رسميا بها (وبجمهورية لوغانسك الشعبية)، في فبراير/ شباط الماضي. وإذا صحّت معلومات صاحب هذا التعليق، فإن سورية وأوسيتيا الجنوبية، وحدهما (بالإضافة إلى روسيا طبعا) أشهرتا اعترافا بالجمهوريتين اللتين أعلنتا، من جانبٍ واحد، انفصالهما عن أوكرانيا. وقد قالت الرئاسة السورية، في بيانٍ في حينه، إن سورية مستعدّةٌ للعمل على بناء علاقات معهما وتعزيزها "في سياق المصالح المشتركة والاحترام المتبادل". وجدّ، في الأسبوع الماضي، في هذا الموضوع، ما قد يؤكّد أن اعتراف حكومة دمشق هذا ليس كلام فضّ مجالس، وما قد يوحي، في الوقت نفسه، بأنه كذلك، فقد ترأس وزير الثقافة في دونيتسك، واسمُه ميخائيل جيلتياكوف، وفدا من جمهوريته، أدّى زيارةً إلى سورية، جال في أثنائها على مؤسساتٍ (وصروحٍ) ثقافيةٍ في دمشق، منها دار الأسد للثقافة والفنون واتحاد الكتّاب العرب، وبحث مع رئيس الاتحاد، محمد الحوراني، وأعضاء المكتب التنفيذي ومجلس الاتحاد، "آفاق توسيع العلاقات الثقافية والفكرية بين كتّاب سورية وكتّاب دونيتسك من خلال تبادل الزيارات والكتب والدوريات الثقافية، على ما أفادت وكالة الأنباء السورية (سانا). وذكرت الوكالة أيضا أن الحوراني أكّد "أهمية أن تكون هذه الزيارة نقطة انطلاقٍ لتعزيز العلاقات بين البلدين الصديقين، ليتم التبادل الثقافي في أرقى أشكاله بينهما"، فيما أبدى الوزير الضيف "حرصه على تطوير العلاقات الثقافية بين البلدين في شتى المجالات لافتاً إلى ضرورة الاهتمام بأدب الأطفال".
ليس في انصرافٍ إلى خبرٍ كهذا، يكاد يكون بلا أي قيمة، تضييعٌ لوقتٍ كان في الوسع تمضيته في شؤون أرفع شأنا من معرفة ما هو عليه راهن العلاقات بين جمهورية بشار الأسد وجمهوريةٍ انفصاليةٍ في دونباس. ذلك أن القناعة عند صاحب هذه الكلمات أن أخبار الطرائف والفكاهة، بل والغرائب والعجائب، أوسع وأعرض من المنظور الذائع الذي يحصُرها في أنماطٍ وألوانٍ دون غيرها. وغالب الظن أن في زيارة وفد دونيتسك دمشق ما يتوفّر على بعض الطرافة، فأي أدبٍ للأطفال يشغل بال الوزير الضيف، ويجعله يلحّ على أهميته، في معرض حديثٍ مصطنعٍ عن "علاقاتٍ ثقافية" بين "البلدين". أما ما قد يبدو وجها من أعاجيب خافيةٍ في الخبر فهو أن وكالة الأنباء السورية (الحكومية طبعا) لا تُخبر عن نشاطٍ رسميٍّ للوفد الرسمي الزائر، فلم تأت الوكالة على استقبال أي مسؤول حكومي سوري رفيع الوزير الضيف (ووفده)، بل لم يحظ الأخير باجتماعٍ مع نظيرته، وزيرة الثقافة السورية، لبانة مشوح. ثم إن الوكالة تأتي فقط على زيارة الزائرين أماكن أثرية، "بهدف التعرّف على الحضارة السورية" (بتعبير الوكالة)، وعلى لقاء في مقرّ اتحاد الكتّاب مع رئيسه ومجلسه ومكتبه التنفيذي، وعلى لقاءات مع أساتذة (وطلبة) معاهد عليا تتبع وزارة الثقافة.
ما هو سبب امتناع أي جهةٍ حكوميةٍ عن الاجتماع بوفد رفيع، برئاسة وزير، ولو من جمهوريةٍ انفصاليةٍ لا تحظى بعضوية الأمم المتحدة، وقد كان الكلام، من الرئاسة السورية ووزير الخارجية، عن اعترافٍ واستعدادٍ لإقامة علاقات تعاون. أم إن اجتماعاتٍ عقدت بين "الجانبين" الحكوميين، السوري والدونيتسكي (هل تجوز هذه النسبة؟)، ولم يجر الإعلان عنها، احترازا من أمرٍ ما؟ هل هو الاعتراف السياسي والدبلوماسي لم يكتمل بعد، في خطواتٍ بروتوكوليةٍ يلزم أن يجري الأخذ بها في قضايا كهذه، فتعذّر عقد أي لقاءاتٍ حكوميةٍ مع الوفد الثقافي القادم من جمهورية دونيتسك، مع الترحيب به ضيفا على تشكيلاتٍ أهليةٍ في البلد، ويجول في أماكن ومعالم ومتاحف وآثار في البلد؟ هل الاعتراف السوري الرسمي بالجمهوريتين المعلنتين من طرفهما، بإسناد روسيٍّ مشهورٍ ومعلن، مواربٌ، وليس دقيقا تماما، وإنما طرحته رئاسة بشار الأسد ووزارة فيصل المقداد بصيغة الباب الدوّار، فلا هو اعترافٌ مكتملٌ وصريح، ولا هو عدم اعتراف واضح؟ هل ثمّة ما يحترس منه الحكم في دمشق في هذا الشأن، فيصير حجّةً عليه إذا ما دارت دوائر، وأعلنت جمهوريات صغرى عن نفسها في سورية، كردية مثلا؟
هذه الأسئلة وأخرى غيرها إنما يفيض بها الخاطر كيفما اتفق هنا، وقد استدعاها خبرٌ طيّرته وكالة الأنباء السورية (هل أحدٌ يزور موقعها الإلكتروني؟)، خبرٌ لا قيمة فيه، سوى ما قد يصادِف فيه قارئه من أوجه غرابةٍ وطرافة .. وركاكةٍ من قبل ومن بعد.