حيث لا عزاء
نقلا عن الناطق الإعلامي لمديرية الأمن العام، بثت وسائل الإعلام الأردنية الأسبوع الفائت خبرا مقتضبا، يفيد بإقدام أب على قتل ابنته طعنا بالسكين. وفي التفاصيل المتحفظة القليلة التي أوردها المصدر الأمني أن الفتاة البالغة 15 عاما (فقط) لاقت حتفها على الفور بطعنتين باستخدام سكين، وأن الأولى كانت في منطقة البطن تحت القلب، والثانية في المنطقة اليسرى من البطن. وقد جرى القبض على الوالد القاتل الذي اعترف في التحقيق بفعلته نتيجة خلافات عائلية (!)، وجرى التحفّظ على السكين أداة الجريمة، وسوف يُحال الجاني إلى المدّعي العام تمهيدا لمحاكمته وتكييف الجريمة، بحسب اعترافات القاتل وشهادات الشهود. ومهما كانت الدوافع التي سوف يُحاول محامي الدفاع ذكرها في سعيِه إلى تخفيف العقوبة، بالرغم من اعترافٍ، هو سيد الأدلة في الفقه الجنائي، فإنها لن تسوّغ فعلته الشنعاء التي أودت بحياة طفلة لا حول لها على يد من أنجبها ويفترض به حمايتها ورعايتها وتأمين حقّها الطبيعي في الحياة ضمن جو أسري محبّ عطوف.
لم يوضِح بيان الأمن العام الظروف المحيطة بالجريمة البشعة، واكتفى بعبارةٍ مبهمة غير مقنعة ألبتة، أيّ نوع من الخلاف العائلي قد يشب بين مراهقة وربّ أسرة ويؤدّي إلى القتل؟ ما فتح المجال لفئة من مرضى النفوس والعقول، الجهلاء، غلاظ القلوب ممن لا يعرفون معنى الرحمة ليتفوّهوا بالعبارة المقيتة الغبية الذكورية ذاتها التي تتردّد في كل مرة يجري بها ذبح أنثى "أبصر شو شاف عليها". هكذا ببساطة يمنحون القاتل صكّ براءة، بل ويبارك بعضُهم فعلته، ويعتبره بطلا حرّا شريفا، وقد غسل عاره بالدم الذي تدفّق حارّا غزيرا في حجرة صبيةٍ منهوبٌ عمرها بالمجان، من أجل وهم ذكوري بائس بملكية نساء العائلة والحقّ في التحكّم بمصائرهن بتواطؤ مجتمعي متوحّش، لا يقيم وزنا لحياة المرأة التي يروْنها بلا قيمة تُذكر من حيث المبدأ، فيستقوي عليها ويستولي على حقوقها، ويمنح نفسه الحقّ في مصادرة حياتها إذا لزم الأمر!
وفي العادة، يختلق محامو الدفاع الذرائع سعيا إلى أعذار مخفّفة من ادّعاء الجنون وسورة الغضب والدفاع عن الشرف. وحدث كثيرا، وسوف يحدُث دائما، أن تقوم الأم صاحبة الحقّ بالادّعاء الشخصي بالتنازل طوعا أو جبرا عن هذا الحق، ما يؤدّي إلى حصول القاتل، أبا كان أو أخا أو عمّا على الحد الأدنى من العقوبة بضع سنوات في السجن، ليخرج ويواصل حياته وكأن يده الآثمة لم تغر عميقا في جسد المغدورة الذبيحة التي خسرت حياتها من دون ذنب ارتكبته، سوى أنوثتها لعنتها الكبرى.
وفي قضايا عديدة شهدتُها، تبيّن أن من أقدم على قتل ابنته أو أخته أو إحدى محارمه بداعي الشرف إنما يفعل ذلك مداراة على جريمة سِفاح قربى يكون هو ذاته المعتدي. وفي حالات مرّت على المحاكم، يلجأ بعض القتلة الجشعين إلى إزهاق روح الأنثى بذريعة الشرف، طمعا في الاستئثار بالميراث، فيفتري على الضحية، ويتهمها بما ليس فيها، كي يسطو على حقّها في الميراث. حلول شاذة تفتّقت عنها ضمائرهم الموتورة المشوهة.
لم يذكر البيان اسم الضحية الجديدة، واكتفى بالإشارة إلى أنها فتاة في الخامسة عشرة من عمرها، وفي هذا اغتيالٌ جديدٌ للضحية مجهولة الهوية التي لا بواكي لها في زمانٍ قبيح ظالم، وفي مكان موحشٍ مستبدٍّ يسمّونه الوطن، حيث لا عزاء.