07 نوفمبر 2024
حمصي في أربعاء ألمانية
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
تُسعد معلمتنا الحسناء، باولينا، باجتهادات التلميذ تيسير الحمصي، ونشاطه المدرسي. ويُسرّ بها الصف كله، وهي لا تعلم أن أهل حمص ظرفاء، ويوم الأربعاء من أيامهم المشهودة، فقد أنقذوا مدينتهم من أقسى الغزاة في التاريخ، بخدعةٍ في هذا اليوم المشهود، لكنهم لم يقدروا على خداع الأسد، كما خدعوا تيمورلنك الذي انخدع لهم، فدمّر مدينتهم القديمة، ومحا نصفها، وأبقى نصفها العشوائي. ولا تعلم أن محافظ حمص، قبل الثورة، كان يأخذ الأتاوات، وينوي تنفيذ حلمه، بمسح تاريخها، تحت اسم حلم حمص.
تطلب المعلمة منا أن نضع كلمة "لذا" في جملةٍ، فيرفع تيسير سبابته مثل التلاميذ في العهد الأول، ويقول: اليوم هو الإثنين، لذا غداً الثلاثاء. نضحك لطرائفه التي قد تكون أقل إضحاكاً خارج الصف، الطرفة في الشدّة غير الطرفة في الرخاء.
ثم تطلب منّا أن نضع كلمة "لأنّ"، في جملة، فينبري تيسير قائلاً: اليوم هو الاثنين، لأنّ أمس كان الأحد، فتضحك الشقراء التي لا يشتكي منها قصرٌ ولا طول، وتشرق الشمس من ثغرها، ويزدهر الربيع الألماني.
زميلتنا لاتفيا بوسنية مسلمة، وتيسير يحاول أن يقنعها بارتداء الحجاب، لصيانة جمالها الفاتن، فتقول: وهل أنت مسلم صالح؟ فأنت تدخن، فيقول لها: التدخين ليس حراماً، هو مكروه، فتقول له: بل هو حرام، لأنّه لا ضرر ولا ضرار، والمال الذي تنفقه في تسويد رئتيك. الأيتام في بلدك، وهم بالملايين، أحق به، فيسكت مغلوباً. تدربنا المعلمة على مقابلة رب العمل، ويستحسن لبس أجمل الثياب، فيعترض تيسير، ويقول أنا سأقابله بأسمالي، والأسمال دُرجة شائعة في الغرب، وتنصحنا بإغلاق حساب "فيسبوك"، حتى لا يطّلع رب العمل على أهوائنا. رب العمل سيسأل المتقدم للعمل: ما سبب اختيارك العمل عندنا؟ يرد تيسير: أجوركم العالية، نضحك.
تقول المعلمة الحسناء: لا.. جواب خاطئ، عندنا مثل في الألمانية يقول: ادهن قفاه بالعسل. ويقابل عند العرب: إن كان لك عند الكلب حاجة، قل له يا سيدي. تقول: يفضل أن تقول: أعجبتني شركتكم الراقية، والعمل عندكم ممتع.. هذا ليس كذباً، إنه تجمّل.
تقرأ درساً عن محارق اليهود، والمظالم التي تعرضوا لها، والهولوكوست، كما نفعل نحن عن فلسطين، وتكاد تبكي، وكأنها الخنساء، وقد فقدت صخراً، ثم تصف اليهود بالذكاء، وتسأل تيسير عن رأيه بهتلر، وهذه من المحظورات في ألمانيا، مثل الحديث عن الطائفية في سورية، لا أعرف ما قشرة الموز التي داست عليها، لعلها عقدة الذنب، فيقول تيسير: بصراحة هتلر فعل خيراً، سلمت يده.
يُحدث جوابه قنبلة في قاعة الدرس، وتكاد باولينا تولّي الأدبار من الصعقة، نتطوع للتوضيح: باولينا (من دون ألقاب)، هتلر سفاح، ارتكب مجازر، لكنه سبب ضياع فلسطين، وتشريد ستة ملايين فلسطيني أيضاً. نحن هنا الآن بسبب هتلر، عندما يقول تيسير سلمت يده، يقصد التي قتل بها نفسه.
تيسير جذّاب وليّن العريكة، يقول لها: الفعل في العربية في أول الجملة، أما في الألمانية فهو في نهاية الجملة. ثم يقول: للأسف، نحن لا نشبه جملتنا الفعلية، فنحن لا محل لنا من الإعراب حالياً. السبب قبل أن يكون في الترجمة، وشيوع اللحن في العربية، هو في الدكتاتورية.
تسألني من أجل تعلم الحوار: ما هي هوايتك؟
أخلط بين الرغبة والهواية، فأقول: السباحة، والرماية، وركوب الخيل. فتنظر إليّ بإعجاب شديد، كما لو أنني أحد الفرسان الثلاثة، وترفع إبهامها، غير مدركةٍ بأني دهنت قفاي بالعسل. ثم تسأل تيسير، فيقول: هوايتي هي الأكل، فتضحك، وتشرق الشمس من ثغرها، وتبيّن له أن الأكل ليس هواية، فيقول: هوايتي هي التنفس. فتقول: التنفس هو فعل لا إرادي، فيقول لها: عندنا الولاء للقيادة السياسية لا إرادي.
سألت: لماذا سقطت ثورتكم؟
قلت: حشونا كثيراً من السكّر في مؤخرة الأسد، حتى اعتقد أنه ملكة نحل، وأنّ مؤخرته تسيل عسلاً، ونحن الآن نحصد ما زرعناه.
تطلب المعلمة منا أن نضع كلمة "لذا" في جملةٍ، فيرفع تيسير سبابته مثل التلاميذ في العهد الأول، ويقول: اليوم هو الإثنين، لذا غداً الثلاثاء. نضحك لطرائفه التي قد تكون أقل إضحاكاً خارج الصف، الطرفة في الشدّة غير الطرفة في الرخاء.
ثم تطلب منّا أن نضع كلمة "لأنّ"، في جملة، فينبري تيسير قائلاً: اليوم هو الاثنين، لأنّ أمس كان الأحد، فتضحك الشقراء التي لا يشتكي منها قصرٌ ولا طول، وتشرق الشمس من ثغرها، ويزدهر الربيع الألماني.
زميلتنا لاتفيا بوسنية مسلمة، وتيسير يحاول أن يقنعها بارتداء الحجاب، لصيانة جمالها الفاتن، فتقول: وهل أنت مسلم صالح؟ فأنت تدخن، فيقول لها: التدخين ليس حراماً، هو مكروه، فتقول له: بل هو حرام، لأنّه لا ضرر ولا ضرار، والمال الذي تنفقه في تسويد رئتيك. الأيتام في بلدك، وهم بالملايين، أحق به، فيسكت مغلوباً. تدربنا المعلمة على مقابلة رب العمل، ويستحسن لبس أجمل الثياب، فيعترض تيسير، ويقول أنا سأقابله بأسمالي، والأسمال دُرجة شائعة في الغرب، وتنصحنا بإغلاق حساب "فيسبوك"، حتى لا يطّلع رب العمل على أهوائنا. رب العمل سيسأل المتقدم للعمل: ما سبب اختيارك العمل عندنا؟ يرد تيسير: أجوركم العالية، نضحك.
تقول المعلمة الحسناء: لا.. جواب خاطئ، عندنا مثل في الألمانية يقول: ادهن قفاه بالعسل. ويقابل عند العرب: إن كان لك عند الكلب حاجة، قل له يا سيدي. تقول: يفضل أن تقول: أعجبتني شركتكم الراقية، والعمل عندكم ممتع.. هذا ليس كذباً، إنه تجمّل.
تقرأ درساً عن محارق اليهود، والمظالم التي تعرضوا لها، والهولوكوست، كما نفعل نحن عن فلسطين، وتكاد تبكي، وكأنها الخنساء، وقد فقدت صخراً، ثم تصف اليهود بالذكاء، وتسأل تيسير عن رأيه بهتلر، وهذه من المحظورات في ألمانيا، مثل الحديث عن الطائفية في سورية، لا أعرف ما قشرة الموز التي داست عليها، لعلها عقدة الذنب، فيقول تيسير: بصراحة هتلر فعل خيراً، سلمت يده.
يُحدث جوابه قنبلة في قاعة الدرس، وتكاد باولينا تولّي الأدبار من الصعقة، نتطوع للتوضيح: باولينا (من دون ألقاب)، هتلر سفاح، ارتكب مجازر، لكنه سبب ضياع فلسطين، وتشريد ستة ملايين فلسطيني أيضاً. نحن هنا الآن بسبب هتلر، عندما يقول تيسير سلمت يده، يقصد التي قتل بها نفسه.
تيسير جذّاب وليّن العريكة، يقول لها: الفعل في العربية في أول الجملة، أما في الألمانية فهو في نهاية الجملة. ثم يقول: للأسف، نحن لا نشبه جملتنا الفعلية، فنحن لا محل لنا من الإعراب حالياً. السبب قبل أن يكون في الترجمة، وشيوع اللحن في العربية، هو في الدكتاتورية.
تسألني من أجل تعلم الحوار: ما هي هوايتك؟
أخلط بين الرغبة والهواية، فأقول: السباحة، والرماية، وركوب الخيل. فتنظر إليّ بإعجاب شديد، كما لو أنني أحد الفرسان الثلاثة، وترفع إبهامها، غير مدركةٍ بأني دهنت قفاي بالعسل. ثم تسأل تيسير، فيقول: هوايتي هي الأكل، فتضحك، وتشرق الشمس من ثغرها، وتبيّن له أن الأكل ليس هواية، فيقول: هوايتي هي التنفس. فتقول: التنفس هو فعل لا إرادي، فيقول لها: عندنا الولاء للقيادة السياسية لا إرادي.
سألت: لماذا سقطت ثورتكم؟
قلت: حشونا كثيراً من السكّر في مؤخرة الأسد، حتى اعتقد أنه ملكة نحل، وأنّ مؤخرته تسيل عسلاً، ونحن الآن نحصد ما زرعناه.
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر
مقالات أخرى
24 أكتوبر 2024
10 أكتوبر 2024
26 سبتمبر 2024