حكايات من عالم الفن والطرب

حكايات من عالم الفن والطرب

18 ابريل 2021

(بهجوري)

+ الخط -

ثمّة قناعة يصل إليها المرء مع مرور الزمن وتقادم العمر، أن الأغاني الوطنية والقومية والنضالية أقلّ شأناً من الأغاني العاطفية والوجدانية والإنسانية، فكأن بين الفن وهاتيك الأغاني علاقة تناسُب عكسي. لهذا، على ما أعتقد، سببان رئيسيان: أنها ترتبط بفترة زمنية معينة، وحادثة تاريخية، فيخبو بريقُها مع انتهاء تلك الفترة. وأن لحنها يغلب عليه الانفعال الآني، ويقلّ فيه التطريب.

يحكي كمال الطويل (1922 - 2003)، الرجل الذي يحمل لقب "الموسيقار الزاهد"، في مقابلة تلفزيونية، حكاية أغنية "والله زمان يا سلاحي"، أن لحنها تدفقَ على وجدانه في أثناء العدوان الثلاثي على مصر 1956، وشعر بأنه يجب أن يقدّم شيئاً لبلاده في هذه المحنة، فاتصل هاتفياً بصلاح جاهين، الشاعر الذي يحمل لقب "جبرتي الثورة"، وأسمعه مقدّمة اللحن على البيانو، فطلب صلاح عشر دقائق، أنجز خلالها تأليف كلمات المقدّمة "والله زمان يا سلاحي، اشتقت لك في كفاحي، انهض وقول أنا صاحي، يا حرب والله زمان".. وعلى فترات متقطعة، خلال الجلسة نفسها، أنجز ذانك المبدعان تلك الأغنية الحماسية التي تحضّ الناس على حمل السلاح لمقاومة العدوان. والتقى كمال الطويل، بعد ذلك، أم كلثوم التي كانت معروفة باندفاعها الوطني والقومي، وأسمعها الأغنية، فأعجبت بها، ووافقت على أدائها.

الأغنية، وسط الجو الحماسي الانفعالي الذي تلا العدوان الثلاثي، نجحت نجاحاً باهراً، وكانت الحكومة قد أعلنت يومذاك عن مسابقةٍ لتأليف نشيد وطني، فاتصل محمد حسنين هيكل به، وأعلمه أن لحن "والله زمان" فاز بالمسابقة، واعتُمد نشيداً وطنياً لمصر.. ولكن، في سنة 1977، فاجأ الرئيس أنور السادات العالم بزيارة القدس المحتلة، تلتها محادثات كامب ديفيد، ثم وقعت مصر وإسرائيل معاهدة سلام .. إلخ، ووقتها، وبحسب رواية كمال الطويل، قرّر السادات تغيير النشيد الوطني، لأن الإسرائيليين قالوا له: كيف أنت جاي تعمل معانا سلام، ونشيدكم الوطني يدعو لحمل السلاح؟ وهنا تبدأ حكاية أخرى، أن موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب كان يرغب بوضع نشيد وطني، إلا أن السادات كان يفضل العودة إلى نشيد "بلادي بلادي" الذي وضعه سيد درويش، فكان ذلك. ومع أن محمد عبد الوهاب لم يقم بتوزيع لحن أية أغنية في حياته، قال إن النشيد من توزيعه، بينما هو من توزيع الموسيقي المصري مختار السيد. وبحسب الكاتبة ياسمين فراج، أنجز الموسيقار العبقري الشيخ سيد درويش نشيد "بلادي بلادي" في مطلع شهر سبتمبر/ أيلول من سنة 1923، وقام بتحفيظه لطلبة المعهد العباسي لاستقبال الزعيم سعد زغلول لدى عودته من المنفى، ولكنه توفي قبل ذلك بيومين، وقُدّم النشيد لأول مرة في 17 سبتمبر، أمام سعد زغلول، من دون وجود ملحّنه.

ومن الأغاني الوطنية المهمة في حينها، المندثرة الآن، أغنية "حَ نحارب، كل الناس ح تحارب، مش خايفين، من الجايين" التي كتبها صلاح جاهين نفسه في أثناء العدوان الثلاثي 1956، ولحنها شيخ الملحنين، بيتهوفن العرب، سيد مكاوي. وما حصل يومها أن مكاوي، ولكي يعطي للأغنية زخماً شعبياً، قرّر الاستعانة بكورس كبير. وفي الموعد المحدد لتسجيلها في الإذاعة، اشتدّت الغارات، فلم يأت الرجال والنساء الذين سيقومون بدور الكورس، فطلب سيد من كل موظفي الإذاعة المناوبين أن يأتوا إلى الاستديو، فحضروا، ودرّبهم بسرعة على أداء اللحن، وكانت تلك التجربة الفريدة من نوعها.

بالعودة إلى الفكرة التي انطلقت المقالة منها، يمكن أن نطرح الآن سؤالاً: أي الأغاني التي لحنها كمال الطويل صمدت في وجه الزمن؛ "والله زمان يا سلاحي"، أم أغنية "الناس المغرمين" التي لحنها لمحمد عبد المطلب، و"بتلوموني ليه" لعبد الحليم؟ هل يترنّم الناس اليوم بأغنية "ح نحارب" لسيد مكاوي، أو "يا مسهرني" لأم كلثوم و"حكايتنا نحنا التنين" لليلى مراد؟

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...