حكايات عن الحب والهبل
جاء في قصيدة "سيرة الحب" للشاعر الكبير مرسي جميل عزيز: وأعرف حكايات، مليانة آهات، ودموع وأنين.. بودي أن أضيف، بعد 42 عاماً على رحيل هذا المبدع؛ أن حكاياتنا عامرة بالدموع والأنين، ومضحكة. شعبنا، بشكل عام، يكره قتل الأبرياء، ولكن بعض الناس إذا سمعوا أن شخصاً ارتكب جريمة قتل، والقاضي حكم عليه بالإعدام، يفرحون، ويستبشرون، من دون أن يكون لهم أي علم بخبايا قضيته، ويقول أحدُهم: والله إن الإعدام قليل عليه! لو سمع شامي عتيق هذا الكلام لضحك، وقال: شو هالحكي يابي؟ الإعدام قليل عليه؟ لكن شو نعمل فيه؟ نمثّل بجثتُه؟
تقول حكايةٌ شعبية إن رجلاً اسمه عبدو كان يعيش في زمن غابر.. عبدو رجل فقير، يعمل عتّالاً في سوق المدينة. استيقظ، ذات صباح، توضأ وصلّى، ودعا ربه أن يرزقه، وتناول بضع لقيمات، وخرج إلى العمل.. مشى في الزقاق حتى نهايته، وانعطف، فأجفل إذ رأى جثةَ رجل ملقاةً على الأرض. وكانت دورية درك تمرّ في المكان بالمصادفة، فاعتقله عناصرُها، على أساس أنه القاتل، واقتادوه إلى ديوان حاكم الولاية، وأخبروه بأنهم قبضوا عليه بجرم القتل المشهود.
وكان ذلك الحاكم مثل الشامبو الذي اخترعه أهلُ الغرب لاحقاً، "أربعة في واحد"؛ ينظّف، ويطرّي، ويكافح القمل، ويزيل القشرة .. وهذا الحاكم: امبراطور، وقاضٍ، وقائد درك، وواعظ. لذا، بلمح البصر، أصدر حكماً على عبدو، بالإعدام. لم يتمكّن عبدو من الدفاع عن نفسه، بالطبع، فالحاكم ومعاونوه انفلتوا عليه مثل الدبابير، يوبّخونه، ويبصقون عليه، ويسبّون محارمه، لأنه مجرم، سفّاح، لا يخاف الله، وفوق هذا، عَلاك، يريد أن يحكي، ويتفلسف. العشماوي، الشَنَّاق، أشفق على عبدو، وسمح له أن يذهب إلى بيته، برفقة دورية الدرك، ليودّع أهله، فذهب، وعندما أخبر زوجته بأنه ذاهبٌ إلى المشنقة، استبشرت، وقالت له: المشنقة تُنصَب عادة في الحارة الشمالية، يعني دار أختي فريدة في طريقك، خذ هذه اللفافة من الخيطان وأعطها لها، وقل لها أن تنتظرني عصراً، لنذهب معاً إلى السوق. قال لها عبدو: أمرُك يا ست الكل. وأخذ منها لفافة الخيطان، ومشى، وقبل أن يصل إلى المنصّة التي أُعدّت لإعدامه، شاهد بين الناس المتجمهرين للفرجة عليه امرأة بالغة الحسن والجاذبية، فاستثير، وبينما كان الجنود يُصعدونه إلى المنصّة، لاحظوا أنه يضحك، فأنزلوه، وأخذوه إلى الحاكم. سأله عمّا يُضحكه، فقال: وهل يوجد شيءٌ غير مضحك في هذه البلاد العامرة بالمهابيل؟ قطب الحاكم، وسأله: مَن تقصد بالمهابيل ولا حيوان؟ قال عبدو: عناصر دورية الدرك الذين يتبعون لكم، مهابيل، وأنت كذلك، سيدي، رجل أهبل، وامرأتي مهبولة، وأما أنا فمهبول أكثر منكم جميعاً، تصوّر سعادتك: أعرف أنني سأموت بعد قليل، ومع ذلك ابتهجتُ لرؤية الجمال!
في مسرحية "رؤوس الآخرين" للكاتب الفرنسي مرسيل إيمي (ترجمة حسيب كيالي)، ثمة نائبٌ عام يفخر بأنه حقّق، وهو لا يزال في مطلع حياته المهنية، قطعَ ثلاثة من رؤوس المتّهمين الذين وقعوا تحت يده. يجيبه زميله بأنه عانى، ذات مرّة، من متهم ذي نظرات عامرة بالبراءة، فكاد، في لحظةٍ ما، أن يؤثر بالقاضي والمحلفين، ويجعلهم يحكمون ببراءته، فما كان منه، أي النائب العام، إلا أن أعاده إلى حظيرة الاتهام، إذ سأله على نحو مفاجئ: أين كنت ساعة وقوع الجريمة؟ فارتبك، وقبل أن يقدر على استعادة حالة البراءة، أمطره بوابلٍ من الأسئلة المباغتة، وهكذا حتى تمكّن من جلب رأسه.
في المسرحية ذاتها، يَعْلَقُ مليونير كبير في تهمة، فتسعفه الضابطة البوليسية المتواطئة معه باعتقال رجل عربي، وإرساله إلى المحاكمة، ليقع تحت يد أحد ذينك النائبين العامين اللذين تتكشف أحداث المسرحية عن أن لهما راتبين شهريين كبيرين من ذلك المتنفذ .. وهكذا تقطع رؤوس "الآخرين"، من دون معوقات.