حسابات النووي في ميزان الغوطة

09 أكتوبر 2022
+ الخط -

رغم التأكيدات الروسية بأن موسكو ملتزمة بعدم اندلاع حرب نووية، إلا أن ذلك لا يعني بالمطلق أن روسيا لن تلجأ إلى أسلحة غير تقليدية في حربها الأوكرانية، خصوصا في حال تعقد الوضع الميداني الذي تعيشه قوات فلاديمير بوتين هناك. النصائح لـ "القيصر الروسي" الجديد باللجوء إلى خيارات استثنائية كثيرة، وهو أمر، بالتأكيد، ليس خارج حسابات القيادة في الكرملين. فحتى الإعلان الروسي مبهم، إذ لم يشر صراحة إلى عدم استخدام أسلحة نووية، بل أعلن التزام تجنّب حرب نووية. وهنا يمكن النظر إلى الحسابات الروسية في قياس ردّة الفعل الغربية على لجوء موسكو إلى أسلحة غير تقليدية، سواء كانت نووية أو من أخواتها الكيماوية أو البيولوجية.

القياس الروسي ربما يعتمد على تجارب سابقة استخدمت فيها أسلحة غير تقليدية، وكيف كان التعاطي الغربي معها. ولعل المثال الأوضح والأقرب لهذا القياس هو مجزرة الغوطة التي ارتكبها نظام الأسد ضد المدنيين المعارضين قبل تسع سنوات، وتحديدا في أغسطس/ آب 2013، وأوقعت مئات القتلى، حتى أن بعض التقديرات تشير إلى 1500 قتيل، معظمهم من الأطفال. فكيف كانت ردّة الفعل الغربية عموما، والأميركية خصوصا على مجزرة النظام السوري؟

في ذلك الوقت، أرغى الغرب وأزبد، ورفع سقف التهديدات إلى حدّه الأقصى، لكنه انتهى إلى لا شيء. فالمجزرة أتت في عهد الرئيس الأميركي الأسبق، باراك أوباما، والذي كان قد أخذ على عاتقه الانكفاء إلى الداخل وتجنيب الولايات المتحدة الدخول في حروب خارجية، حتى إن كان مبرّرها استخدام أسلحة غير تقليدية. فبعد التهديدات الأميركية والسيناريوهات التي رسمت للرد المحتمل، والذي وصل إلى حد قصف قصر المهاجرين، انتهى الأمر بغارة أميركية محدودة على أحد المواقع السورية، بعدما أطلق نظام الأسد تعهدا بتسليم مخزونه من الأسلحة الكيماوية. وهكذا طوى الغرب صفحة مجزرة الغوطة، فيما سلّم الأسد جزءا من مخزونه الكيماوي وأبقى على الجزء الآخر الذي استعمله في مجازر أخرى، تعامى عنها الغرب، ولعل أبرزها مجزرة خان شيخون.

قياس ردة الفعل الغربية تجاه مجزرة الكيماوي سيكون موجودا في ذهن الإدارة الروسية في حال قررت اللجوء إلى أسلحة غير تقليدية في الحرب الأوكرانية، خصوصا إذا زادت الأمور تعقيدا على الأرض. لا يرى الروس خسائر كبيرة مرتقبة كرد على هجوم كيماوي أو بيولوجي، أو حتى نووي محدود. فموسكو على يقين بأن ردة الفعل الغربية لن تزيد عن التنديد وفرض عقوبات إضافية، إذا كان هناك عقوبات لم تفرض بعد، إضافة إلى تسليح إضافي للقوات الأوكرانية، وهي التي حصلت حتى الآن على كل ما يمكن للترسانة الغربية أن تقدمه، باستثناء الأسلحة غير التقليدية والتي لن يضعها الغرب في يد الأوكرانيين. الأمر نفسه بالنسبة إلى عزل النظام الروسي، والذي بات فعليا معزولا باستثناء دول حليفة في محور ضيق، وهو ما لن يتغير في حال لجأ إلى التصعيد النووي، فحلفاؤه لن يتخلوا عنه.

وإذا كان رد "حفظ ماء الوجه" الأميركي على مجزرة الغوطة غارة مباشرة محدودة، فإن أي رد أميركي أو غربي على أي ضربة روسية غير تقليدية ليس في الوارد أن يكون مباشراً، لأنه في تلك اللحظة سيكون بداية فعلية للحرب النووية، والتي تعلن روسيا التزامها عدم اندلاعها، إلا في حال بدأها الطرف الآخر، وهو ما يبدو أن موسكو تدفع باتجاهه.

أخطار الحرب النووية، أو استخدام أسلحة غير تقليدية، قائمة. وتحريك موسكو لقطاعات نووية، ونقل صواريخ بالستية إلى هذه الجبهة أو تلك، ليس بغرض إرسال رسائل إلى الغرب فحسب، بل هي فعليا للاستخدام عندما تدعو الحاجة. وهذه الحاجة ستكون أكثر إلحاحا كلما تصاعد الضغط الغربي، العسكري والسياسي، على بوتين غير المستعد للسقوط وحيدا.

حسام كنفاني
حسام كنفاني
صحافي لبناني، يشغل حاليًا منصب مدير قطاع الإعلام في فضاءات ميديا، له منشورات في عدّة صحف لبنانية وعربية. يعمل في مجال الصحافة منذ أكثر من 25 عامًا، وهو من مؤسّسي موقع وصحيفة "العربي الجديد".