حرب 2006 ومقاربة حزب الله يساوي لبنان
توازت ذكرى مرور 15 عاماً على حرب تموز 2006 العدوانية على لبنان مع إعادة إنتاج الخلاصات الإسرائيلية نفسها تقريباً في ما يختص بلبنان، ومع ما تعتبره أدبياتٌ كثيرة في دولة الاحتلال بمثابة سببٍ رئيسي للحال التي آلت إليها تلك الدولة، وصولاً إلى النقطة الزمنية الراهنة، وهو تغلغل منظمة شبه دولانية (حزب الله) عميقاً في الحياة السياسية والعسكرية ضمن بيئة دولةٍ فاشلة من جهة، وازدياد عمق تدخّل إيران من جهة أخرى مكملة.
هذا ما يمكن استشفافه من آخر التصريحات التي أدلى بها قادة الحكومة الإسرائيلية الجديدة، ولا سيّما رئيس الحكومة، ووزير الدفاع. أمّا على صعيد المحللين السياسيين والعسكريين، فأكثر ما تجري استعادته الآن، أن تلك الحرب ارتسمت لدى انتهائها (استمرت بين 7/12 و14/8/2006) بأنها كانت معركةً على الوعي والردع، وفي صراعها على الأمرين، واجهت إسرائيل في التحصيل الأخير إخفاقاً كبيراً. وبموجب بعضهم، وفي ما يتصل بالوعي، لم تكن في حينه أهمية كبيرة لقوة الجيش الإسرائيلي الحقيقية، ولا أهمية للقول إن الجيش الإسرائيلي استخدم نسبة صغيرة فقط من قوته، وإن لديه أسلحة متطوّرة في ترسانته لم تجد تعبيراً عنها، فالمهم فعلاً كان صورة الجيش الإسرائيلي، وعملياً صورة إسرائيل، وذلك في نظر طرفين: "العدو الذي يدور القتال معه"، و"الخصوم الآخرون في الشرق الأوسط". وفي قراءة أحد المحللين الاستراتيجيين، كمن هنا الخطر الأشدّ فداحةً الذي سبّبته تلك الحرب، إذ شاهد كثيرون في عواصم عربية، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ 1967 وبشكل أساس في قطاع غزة، وكذلك في طهران، شاهدوا ربما باستغراب كيف أن الجيش الإسرائيلي لا ينجح في إخضاع تنظيم صغير، قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية إنه مؤلف من 1500 مقاتل، فيما ذكرت مصادر أخرى أنه يضمّ بضعة آلاف، طوال أكثر من شهر، مع دفع ثمن غير قليل في أغلبية المعارك التي يبادر إليها في الجنوب اللبناني. والأدهى من ذلك كله، أنه لا ينجح في شلّ قدرة هذا التنظيم على إطلاق الصواريخ، الأمر الذي يُجبر أكثر من مليون إسرائيلي على ملازمة الملاجئ أكثر من أربعة أسابيع.
أمّا بخصوص الردع، فقد أشير إلى أن نجاح الردع الإسرائيلي كان حتى تلك الحرب مستنداً إلى اعتراف الطرف الآخر بأنه سيدفع ثمناً باهظاً جداً إذا ما حاول المساس بإسرائيل. وعلى ذمّة بعضهم، حال هذا الأمر، على سبيل المثال، وحتى خلال شتى الحروب، دون إطلاق مئات الصواريخ من سورية في اتجاه العمق الإسرائيلي، حيث كان هناك خوفٌ من أن تُقدم إسرائيل على توجيه ضرباتٍ قاسيةٍ إلى دمشق وغيرها من المدن السورية المركزية. ولكن عندما يُطلق أكثر من ثلاثة آلاف صاروخ نحو الجليل وحيفا والخضيرة، وتتمكّن إسرائيل من جباية ثمن، لكنه لا يُعدّ باهظاً كفايته، فإن الردع الإسرائيلي يتعرّض للضرر.
ربما، من هذه النقطة الأخيرة بالذات، ولدت فور انتهاء تلك الحرب المقاربة الإسرائيلية التي رأت أن تعمّق تغلغل حزب الله في المؤسسة السياسية اللبنانية الرسمية يتطلب إعادة النظر في نفاذ (وصحّة) التمييز بين حزب الله ولبنان كدولة. فإذا كان هذا الحزب جزءاً من المؤسسة اللبنانية، وشريكاً في الحكومة، ويحظى بدعمها وتأييدها، فإن أي حربٍ معه، هي إذاً حرب مع دولة لبنان. كذلك فإنه، وفقاً لهذه المقاربة، ثمّة حاجة لاتخاذ موقف حيال جوهر تدخل إيران، الذي ينجم عنه في قراءتها أنه باتت في لبنان بنية خاصة لدولةٍ سياديةٍ تعمل فيها منظمة عسكرية وسياسية تخضع، بدرجة كبيرة، لقيادة دولةٍ أخرى، كذلك توجد فيه بنية سياسية خاصة، لا تتوافر فيها قدرات أو إرادة حكومة سيادية لفرض سلطتها وهيبتها بغية منع تعدّد عناصر القوة. وبرسم هذه المقاربة، بدأ يتطوّر في إسرائيل مفهومٌ يركّز على تحديد لبنان دولة معادية في أي سيناريو مواجهة مع حزب الله.