حرب لبنان 1982: عن "تفاهمات" إسرائيلية - سورية
تصادف في شهر يونيو/ حزيران الحالي ذكرى مرور أربعين عامًا على الحرب التي أطلقت عليها إسرائيل اسم "حرب سلامة الجليل"، وتحوّلت بعد عام 2006 لتصبح "حرب لبنان الأولى". ومثلما يُشار عادةً في الدراسات التاريخية، فإن الحروب الجديدة تجعل سابقاتها قديمة، ولعلّ المثال الأبرز الذي يُستعان به في هذا الشأن الحرب العالمية الثانية التي حوّلت سابقتها إلى الحرب العالمية الأولى، بعد أن سُميّت "الحرب العظمى".
وعلى الرغم من مرور كل هذه الأعوام، ونشر عدة كتب عن تلك الحرب الإسرائيلية في لبنان، ما زالت هناك معلومات جديدة تتعلق بها يُتاح لها إمكان النشر الآن، ولا سيما من أرشيفات الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية، علمًا أنه لم يكن في مقدور المؤرّخين البحث والتقصّي بشكلٍ حرّ في هذه الأرشيفات سوى بعد مرور عشرين عامًا على الحرب.
وبحسب دراسة نُشرت في مجلة "معراخوت" (معارك)، الصادرة عن منشورات الجيش الإسرائيلي، كان الدافع الأهم لتلك الحرب تدخّل إسرائيل في الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975 عقب انهيار الاتفاقيات المتعلقة بتقسيم الحكم على أساس مفتاح طائفي، بالإضافة إلى تدمير الوجود الفلسطيني المُسلّح، الناجم عن مغادرة المنظمات الفلسطينية المسلحة الأردن عقب الصدامات مع الجيش الأردني في 1970، وتموضعها في لبنان ومخيمات اللاجئين الفلسطينيين التي أقيمت في أراضي هذا البلد بعد نكبة 1948. وتشير الدراسة إلى أنه في مطلع 1976 اتفقت إسرائيل مع حلفائها من القوى المارونية على مدّهم بالسلاح وتدريب مليشيات تابعة لهم، ولكنها رفضت التدخل في الاقتتال الداخلي. وحين سعت سورية إلى التدخل في الحرب الأهلية في العام ذاته، وافقت إسرائيل، بعد وساطة أميركية، عليه، كونه جاء لدعم حلفائها، وضد الفصائل الفلسطينية والوطنية اللبنانية. وجرى وضع "خط أحمر"، توافق بموجبه إسرائيل على وجود عسكري سوري في المناطق الواقعة إلى الشمال من خط صيدا - حاصبيا، مقابل إقرار سورية بـ"حق إسرائيل في العمل عسكريًا في الجنوب اللبناني بما في ذلك القيام بطلعات جوية".
ولكن في إبريل/ نيسان 1981 طرأ تغيير تسبب بانهيار هذه التفاهمات، ونصب السوريون بطاريات صواريخ أرض- جو في البقاع، ما قلص حرية عمل إسرائيل وقدرتها على العمل ضد الفصائل الفلسطينية. وخلال مايو/ أيار ويونيو/ حزيران وقعت حوادث تبادل عنيف لإطلاق النار على الحدود الشمالية، شرع في أعقابها الجيش الإسرائيلي بالاستعداد لحربٍ في لبنان، حيث خطّط الجيش لتنفيذ عملية عسكرية معدة مسبقًا ("عملية أورانيم الكبرى") تشمل إجبار القوات السورية على الخروج من لبنان. وفي أغسطس/ آب 1981، عُيّن أرييل شارون وزيرا للدفاع، ورأى أن مجمل المخاطر التي تتهدّد إسرائيل من الشمال غير محتملة، ولا بد من شنّ عملية عسكرية واسعة أهدافها القضاء على القوات الفلسطينية شبه العسكرية، وتصفية "الدولة العرفاتية" التي قامت داخل لبنان، وإخراج القوات السورية نهائيًا من الأراضي اللبنانية، وإعادة الاستقرار إلى لبنان بواسطة فرض سيطرة الحلفاء في هذه الدولة، والتوصل معهم إلى معاهدة سلام.
في 2 يونيو/ حزيران 1982 قام مسلحان من عناصر منظمة أبو نضال بعملية استهدفت اغتيال سفير إسرائيل في بريطانيا، شلومو أرغوف، أسفرت عن إصابته بجروح بليغة (توفي متأثرًا بها عام 2003). وشكل هذا الحادث الذي جاء بعد قصفٍ للمستوطنات الشمالية بصواريخ الكاتيوشا واشتباكات عنيفة بالأسلحة طوال عام، ذريعة فورية لشنّ إسرائيل الحرب.
وفي نص بيان إعلان الحرب، الصادر عن الحكومة الإسرائيلية يوم 6/6/1982، جرى التشديد على وجوب الامتناع عن مهاجمة الجيش السوري، حيث ورد فيه: "قرّرت الحكومة: (1) تكليف الجيش الإسرائيلي بمهمة إخراج جميع مستوطنات الجليل من مرمى نيران الإرهابيين المتمركزين، هم وقياداتهم وقواعدهم، في لبنان؛ (2) اسم العملية: سلامة الجليل؛ (3) في أثناء تنفيذ هذا القرار يجب الامتناع عن مهاجمة الجيش السوري إلا إذا قام بمهاجمة قواتنا؛ (4) دولة إسرائيل ما زالت تتطلع لإبرام معاهدة سلام مع لبنان المستقل وسط المحافظة على وحدته الإقليمية".