حبّة الكبتاغون الشاملة

02 يناير 2025

سوريون في الاحتفال برأس السنة الجديدة في ساحة الأمويين بدمشق (31/12/202 فرانس برس)

+ الخط -

لستُ مغامراً مثل الرحالة لؤي العتيبة، في برنامجه على "الجزيرة الوثائقية"، إثيوبيا على الأقدام، يخالط أكلة لحوم البشر من غير خوف، أو وجل، ويتناول السموم ولحوم الأفاعي، حتى أتناول حبّة كبتاغون، صناعة الاشتراكية الأسدية، معامل ماهر الأسد لتسكير العقول، فهو وقومه ورهطه يغشون في كل شيء، من الانتخابات حتى الحبّ العائلي، فقد فرَّ الأمل بشار الأسد، تاركاً ماهر بالبيجامة، لكني أجزم أن أثر حبّة الكبتاغون التي كانت تؤخذ عن طريق الخبز، والإعلام، والهواء، والبطاقة الذكية، والمظاهرات السعيدة بالمطر، وأن تأثيرها لا يزال عليّ حتى في المنفى، بل إني لا أزال أستيقظ كل يوم، وأقول: أحقاً سقط الأسد؟! وفي ذاكرتي شريف شحادة في "الاتجاه المعاكس"، وهو ينهضُ غاضباً ويقول لخصمه: تسقط الملائكة ولا يسقط بشّار الأسد. وأرى المكوعين، أي المنافقين، من أعلام، ومشاهير، ونجوم دراما، وهم يفركون عيونهم ويقولون: من بعثنا من مرقدنا؟ لقد خدعنا بشّار الأسد، ولم نكن نعلم بهذه السجون، والمقابر الجماعية. لا أجرؤ على اختبار حبّة الكبتاغون، مثل كولن ويلسن الذي تناول الحشيش، وتحدّث عن هلاوسه، فأنا أصلاً محشّش من قراءتي السير الشعبية، مثل سيرة سيف بن ذي يزن، وعنتر بن شداد، وعلي الزيبق، وحمزة البهلوان، في مرحلة الصبا، ولا يزال أثر حشيشها في عقلي ووجداني.
لم نكن نعلم أن الشمس تشرق من الشرق، وأن القمر يظهر في الليل، وأن الأرض غير مسطّحة مثل القرطاس، وأن واحد زائد واحد يساوي اثنين، و"واحد زائد واحد"، هو لقب إعلامي سوري، كان يمنح الجوائز السخية، ويعطي العطايا السنية. على السؤال الذي شغل بال العلماء والفلاسفة عبر التاريخ هو: ما حاصل واحد زائد واحد، فيأتي الجواب من السوري المفقر، الجائع، فيقول اثنان! فيطير الإعلامي فرحاً بالجواب، ويملأ فم المجيب فرّوجاً وخبزاً، فيبكي الفائز فرحاً، ويقول: لم أذُق لحم الفرّوج منذ أربع سنوات.
وأرى أثر حبّة الكبتاغون على وجوه السوريين المقرورين برداً، والمنهكين جوعاً، وهم يحتفلون، وسيطول الاحتفال، فهي المرّة الأولى التي تطأ فيها قدم السوري أرض كوكب سورية. أقرأ لإعلامي سوري، كاتب ومفكّر، وهي صفة أصحبت تطلق على من هبَّ ودبَّ، وتنسّم الهواء، وشتم وسبَّ، قوله: إنه كان في بلهنية من أمره، وإن تاريخه يشهد له أنه دعا إلى الحوار في فندق صحارى، وأن ابن عمٍّ له سُجن عشر سنوات، فأتذكّر أن البغل سئل: من أبوك؟ فقال الحمار خالي. وأرى محلّلاً سياسيّاً سوريّاً من محللي أكل لحوم البشر وحرقهم بالكيماوي، وكان المحلل السياسي الأول إبّان استلام الأسد الجونيور منصبه، وقد تحوّل إلى شيف طبّاخ، فأمسى يتحدّث عن صناعة المكدوس، فأقول: ما أشدّ أثر حبّة الكبتاغون الأسدية، وأرى الثوّار يطلّون من قاسيون، يا وطني، فأرى دمشق تُعانق السحبا، فأقول عسى ألا يكون هذا من آثار حبّة الكبتاغون العظمى، حبّة الكبتاغون الوطنية الشاملة العظمى، وكنت أسمع بشّار عندما يُسأل عن البراميل، يقول: لا براميل ولا طناجر، فقد كان الفرار خفيف الدم وظريفاً، وطويل الرقبة، لكنه كان قصير الذيل، فأقول: هو من أثر حبّة الكبتاغون، لا من أثر السامري.
عيّره الثوار بالهرب والفرار من غير أن يأخذ سياراته المائة أو ألبوم الصور، فلا تلوموه، فقد كان سكراناً بحبّة الكبتاغون، وليس من مسكر، مثل الغرور، وكنت أتابع دخول الثوار حماة، ثم حمص، ثم دمشق، فأقول: هل تناولوا حبّة الكبتاغون حتى اقتحموا المستحيل؟ وأرى إعلامياً شهيراً من إعلاميي الثورة يخطُب في حماة ودمشق، وكان قد وعد بوليمة من مائة كبش أقرن أملح، ولم يفِ بوعده، فأقول: يا شام ترابك كافور، والكافور مخدّر. وأرى أحمد الشرع في القصر الجمهوري طويلاً مثل سيف دمشقي، يستقبل القادة والوفود، فأقول: إن هذا الفتى لمأتيٌ له، فأقرُص نفسي، وأجرح يدي، وأصير مناضلاً بعد رؤية الدم، وأسأل نفسي: هل أنا في حلم، أم هو أثر حبّة الكبتاغون الخالدة.

أحمد عمر
أحمد عمر
أحمد عمر
كائن يظنُّ أن أصله طير، من برج الميزان حسب التقديرات وطلاسم الكفّ ووحل الفنجان.. في بكرة الصبا أوعشية الشباب، انتبه إلى أنّ كفة الميزان مثقوبة، وأنّ فريق شطرنج الحكومة "أصحاب فيل"، وأنّ فريق الشعب أعزل، ولم يكن لديه سوى القلم الذي به أقسم" فَالِقُ الْإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا..."
أحمد عمر