جولة في سمبوزيوم
تطوف بين لوحات 24 تشكيليا وتشكيلية، عربا وأجانب، فتجد مزاجَك قد عبَر في بوّاباتٍ إلى مساحاتٍ فارهةٍ من الجمال. لن يشغلك أن تحزَر أيّا مما ترى الأجمل والأكثر جمالا، لأنك ستلقاك تتأمّل، وتُغادر من إيقاع إلى إيقاع. قد لا يُسعفك نقصان ثقافتك التشكيلية بمعرفة ما استخدم الرسّامون من خاماتٍ وأدوات، غير أنك ستغتبط بعلوّ مدارج التشكيليين العرب، وهم يتجدّدون ويجرّبون ويحتفلون باللون ويقولون بالريشة ما يقولون. وسيُفرحك أنك، هنا، في تطوافك في معرض سمبوزيوم بنك القاهرة عمّان الدولي للفنون التشكيلية، في عمّان، تتيسّر لك فرصةٌ نادرةٌ للفرجة على تجارب فنّانين من الهند وروسيا وصربيا، وقد تزاملت مع لوحات تشكيليين عربٍ من ثلاثة أجيال ومن حساسياتٍ لونيةٍ مختلفة، ومن خياراتٍ بصريةٍ متنوّعة، من فلسطين ومصر وقطر والمغرب والأردن وسورية والعراق والجزائر. قاماتٌ من شيوخ التشكيل العربي وكباره، الفلسطينيان سليمان منصور ونبيل عناني والمصري أحمد شيحة، وغيرهم، مع عتيدين مجرّبين، القطري سلمان المالك والأردني محمد الجالوس والسوري إسماعيل الرفاعي وغيرهم، مع شبّان جدُدٍ شقّت رسومُهم وإبداعاتُهم مسارَها، الأردنية جُمانة النمري وغيرها.
أمضى الفنّانون في عمّان بضعة أيام، مستضافين ضمن الدورة السابعة لسمبوزيوم بنك القاهرة عمّان الدولي، ثم تيسّر للجمهور أن يجول بين أعمالهم التي أبدعوها، لوحةً أو اثنتين (أو ثلاثا أحيانا أقلّ)، في المعرض المنوّع الثريّ. وهنا، يحسُن تثمين هذه المبادرة الثقافية من بنكٍ غير حكومي، يدعم فيها التشكيلَ وناسَه، عندما ينظّم سنويا هذه المناسبة، والتي تحتاج إلى إضاءات إعلامية تؤشّر إلى ما في وُسع القطاع الخاص في غير حقلٍ وشأنٍ أن يؤدّيها من أدوارٍ في تنشيط الفعل الثقافي والفني الراقي والهادف. وعاملُ نجاح في انتظام هذه التظاهرة النادرة المثال تلك الحيوية والمثابرة اللتان يقيم عليهما مدير السمبوزيوم ومسيّره، محمد الجالوس.
مقترحاتٌ جماليّةٌ متنوّعة، منها التجريدي والرمزي والواقعي والسوريالي وغيرها، واللوحات بأحجام كبيرة، والخامات متنوّعة ومختلفة، والخبرات فيها دالّةٌ على تميّزٍ هنا، وتوفيقٍ هناك، ومباشرٍ تقليدي بين هناك وهنا. وسياحة العينين في هذا كله سياحةٌ في قضايا الإنسان نفسه، صلتُه بالطبيعة، علاقتُه ببيئته، إحساسُه بالفقد والحرمان، شعورُه بالمتعة والفرح، سؤالُه عن المصير والخلاص، حيرتُه، ظلال المعاني وإيحاءاتها، الأنوثة والاحتفال بها، الجسد سكينةً، الأمكنة وناسُها، وغير ذلك كثيرٌ مما قاربه الفنّانون، عندما اجتمعوا على فكرة الجمال، ولم يجتمعوا على واحديةٍ في النظر والفكرة والرؤية.
نبيل عناني على وفائه للبيئة الفلسطينية، لخصب الأرض، والمكان الحميم. أحمد شيحة يحتفل بالموروث من كتابات القدامى ومرموزاتهم، الفرعونيين وغيرهم. أحمد جاريد (المغرب) يقيمُ على هدوء البياض الموشّى ببعض الخُضرة، كأن أنفاسا صوفية تبثّها لوحتُه. سليمان منصور تحتضن المرأة الأم عنده فلسطين منذ عقود ولا تزال. سالم مدكور (العراق) يترك السّعف مرميا، كأنه يُضمر غضبا وجُرحا. إسماعيل الرفاعي (سورية) ووليد عبيد (مصر) يحتفلان بالمرأة والفرح بها، بأنوثتها، وسط بعض العتمة ووسط غرقٍ في البحر. بتول فكيكي (العراق) على غبطتها بجسد المرأة حُرّا، بإيحاءٍ عشتاري ظاهر، وحضورٍ أنثوي جريء. سلمان المالك (قطر) يأخذ ريشته إلى تجريبٍ آخر، مغايرٍ لما شوهد في معرضٍ شارك فيه قبل أكثر من عام، بخطوط حرّة تشتبك مع بعضها، وملامح ناس غائمين. إسماعيل عزّام (العراق) يُؤثِر الشارع وسكونا وبعض حياة مطفأة فيه. سالم ركّاح (الجزائر) يذهب إلى القوّة، في الرجال الملثّمين على الخيل، والنسوة القديرات في لوحة أخرى. وعثمان شهاب (الأردن) يختار رقص النساء واللون الذي يفرح بالحركة. وإبراهيم غزالة (مصر) يرسم ظلالا من دفء المكان المصري، حيث شجرٌ وبيوتٌ وناس. ومحمد الجالوس (الأردن) على قوّة ضربات ريشته وهو يشكّل ظلال اللون القاتم. جمانة النمري (الأردن) على التزامها بنبتة الصبّار قرب الكرسي. وريم مصري (فلسطين) تختار موجات الألوان تحت الأبيض وفي حضرته. ومحمد تهامي (مصر) ينطق رسمُه عن روحٍ مصرية في تقاسيم رجولةٍ مصرية.
ثمّة الحضور الكثير للمرأة، روحا وجسدا وظلالا وفتنة وغواية، وأيضا سؤالا في نظراتٍ ساهمة وحيرى، كما فعل علي عامر (الأردن) ومي قدورة (الأردن) ولين سرارجة (الأردن) وعروبة قاسم (الأردن). وأدهشتنا الهندية باندانا كيومري عندما رسمت المرأة بوجوه أسدٍ، بسوريالية لافتة. ... ومذاقاتٌ من البهجة تبقى معك لمّا تغادر هذا الحقل من الجمال.