جوكر كردي
انتبهَ ابن عمي الذي يشبه الممثل يوسف شعبان، والمقيم في جوار سويسرا، إلى أن شعري قد طال، وحجب بعضا من نور وجهي، فتذرّعتُ بحصار كورونا. والحقيقة أن شعري طال أكثر من الحرب السورية، حتى فاض واستشعث من ضيق الوقت، فلا حاجة للزينة والناس محاصرون. قال: التنكر بالشعر الطويل لن ينطلي على الفيروس، لا بد من اللثام بالكمّامة.
أعلمني يوسف شعبان أنَّ لي ابن عم يقيم قريبًا مني، بعد أن فحص الخريطة على "غوغل"، فوجدته على مبعدة عشر دقائق بالسيارة، في مدينة ماينز. وأخبرني أنه يشبه أنطوني كوين، فقصدته في يوم عطلة، ووجدته يشبه أنطوني كوين، ولم يكن قد رآني، فرحّب بي وشكّ في قرابتي له، وكان طفلًا عندما رأيته آخر مرة. اتصل بأبيه وأخبره أن رجلًا بالباب يشبه ممثلا نسي اسمه، ويدّعي قرابته. أنهى المكالمة وعانقني، واعتذر مني ولامني، لأنني جئت إلى بيته، فالواجب أن يزورني هو، وأنه مستعد لحلاقة شعري كلما هبّت النسائم، وناحت على الأيك الحمائم.
اتصلتُ أمس بجاري القديم في مسقط رأسي إسماعيل، الذي يشبه الممثل جو بيشي، وكان يعمل مشغّلًا لآلة العرض السينمائي في بلدتي، وطلبتُ منه أن نتحدّث صوتًا وصورة، فأشرقت الأنوار، وأخبرني بأنني أشبه ممثلًا لا يتذكّره. وكان قد شاخ وابيضّ شعره وسقطت أسنانه وفقد بصره، فوقفنا على الأطلال، وسألته عن فيلم كاوبوي رأيناه في أول السبعينيات، وكان أبطاله يظهرون طوالًا، فأخبرني بأن الفيلم مصوّر بكاميرا سكوب 70 ملم. وكان جو بيشي خطّاطًا يرسم ثمانية خطوط؛ رقعة وثلث وديواني .. وكنت قد بحثت عن رقم هاتفه، لدى الأصدقاء، فاجتهدوا حتى وصلوني بابنته التي تشبه الممثلة سماح أنور، فحوّلتني بغمازتيها إليه بهاتفها، ثم سألته إن كان قد حجّ إلى بيت الله. وكان يزيّن أبواب بيوت الحجاج العائدين بالشفاعة، فحمد الله الذي ختم له بالصالحات، وسألته إن كان يستطيع أن يشاهد فيلمًا إيطاليًا يروي سيرته الذاتية، فاعتذر، فلم يعد يبصر جيدًا، وقد خانه مزاج السينما، وكان يرى الفيلم الواحد خمس مرّات يوميًا، وشاهد فيلم "ابنة الهند" ستين مرّة، وهو أول فيلم عرض في بلدتنا سنة 1949، وكان فيها أربع دور سينما، وكانت كلها ملكًا للسريان النازحين من تركيا. ودّعتُ سماح أنور وأخبرتها أنني سأكمل حواري لاحقًا مع جو بيشي.
سألت ابن عمي النازح إلى النرويج، ويعمل سائقًا على حافلة نقل داخلي، ويشبه ريتشارد غير، أن يرسل لي صورة عمي المرحوم، فأرسل إليّ صورته، وقد كتب تحتها عمر المختار الخالق الناطق، لكن لم تكن له حكمته، ولا بأسه، فقد خاصم أبي سنين عددا، ودارت بينهما حروب أشد من معارك الليبيين مع إيطاليا. أمّا خالي الذي يشبه آل باتشينو، فلم أعرفه إلا بعد أن نزح إلى ألمانيا، وهو يرسل إلي كثيرًا من فيديوهات الطرائف والمواعظ والعبر، وأهمّ كل مرة بأن أذكّره بأن يعمل بالعظات التي يرسلها إلي، ويرحم خالاتي الست، فهن تحت الحصار وبحاجة إلى الإغاثة.
سألت بيشي عن أفلام كثيرة، فأسفَ لأنه لم يحتفظ منها بملصقاتٍ أو صور للذكرى، وأنَّ الأكراد كانوا يحبّون الأفلام الهندية، لأنها ميلودرامية وحكائية ووعظية واستعراضية وضعيفة البناء، وفيها مصادفاتٌ وطفراتٌ مثل الحياة السياسية الكردية. ويشترك الكرد والهنادكة في ألفاظ كثيرة، وأخبرني أنه يذكر فيلم "اسمي جوكر" لراج كابور. والجوكر الهندي مهرِّج كان يحوّل أحزانه إلى ضحكات، فيُبهج جمهوره. هو مقتبسٌ من شارلي شابلن، وهو غير الجوكر الأميركي المعاصر الذي تحوّل إلى قاتل متسلسل. بعضهم إذا أكثر من الضحك قال: اللهم اكفنا شرّ هذا الضحك، تعوّذا من شرّه. وهم محقون. وأخبرني أنه كان مخرجًا مسرحيًا، ويستطيع إخراج فيلم سينمائي لو عاد به الشباب، فسألته عن جوكر كردي، إذا ما أتيح له إخراج فيلم له فكيف يكون؟ فقال: الجوكر الكردي راقص في عرس، يرقص فتعجبه إيقاعات جسده، فيسكر من النشوة والتعب، فتأخذه سوْرة الزغاريد، وهو يرى كثرة المدعوين وحماسهم، فيعلن دولة كردية بمسدسه السبعة ميلي عليَّ ميلي.
سُررت للمثال، وقلت والله إنَّه لحقيق بي أن أتخذه صديقا للمنادمة. وقد بحثت في الشرق والغرب، فلم أجد كرديا يفكّر خارج الصندوق، فكلهم من غزية إن غوت غووا، وإن رشدت رشدوا، وصحّحت له قائلا: هذه هي النسخة الواقعية من الكردي وليس الجوكر، فتدّبر قصة جوكر كردي؟ قال: يعلن قائد الدبكة دولةً بعد قتل العروسين بالغلط، ويعتقل كل المدعوين، لأنهم يحتفلون بعرس في جنازة. ويرفع علما فاقع الألوان، تشعّ فيه الشمس والقمر في آن، ويقيم قانون الطوارئ والأحكام العرفية إلى الأبد، ويتزوج أخت العروس، ويبني أسواراً كثيرة، ويحرِّم الدخول والخروج.