جبروت الطبيعة وغطرسة البشر

13 فبراير 2023

(إبراهيم الصلحي)

+ الخط -

تتوالى على كوكب الأرض كوارث وأزمات من صنع الطبيعة، فضلاً عن الأزمات والكوارث التي يتسبّب فيها البشر بأيديهم، ظناً أنهم منقذون أنفسهم، فإذا هي تصير وبالاً عليهم. ورغم ذلك كله، لا يتعلّم البشر مما تحمله إليهم الطبيعة من إشارات خطر وعلامات تحذير، فقد شهد العالم قبل ثلاثة أعوام جائحة كورونا التي كانت أكبر الأزمات الوبائية قسوةً وأوسعها نطاقاً على مر التاريخ. وكان يُفترض أن يتّعظ العالم كله منها، فهي لم تترُك بقعة على وجه الأرض إلا وأصابتها. ولم تفلت منها أكثر الدول تقدماً طبياً ولا أقواها عسكرياً ولا أكثرها علماً ومعرفة تكنولوجية. وما إن داهمت الجائحة يابسة الأرض وماءها في بضعة أيام، إلا وراحت الدول الكبرى تُسيّس الأزمة وتتبادل الاتهامات بالمسؤولية عن انتشار الوباء، تارّة بالتخليق المتعمّد لمتحوّر الفيروس أداة بيولوجية في حروب الكبار، وتارّة بالفشل الإداري واللوجستي في مواجهة الوباء ومنع انتشاره وتحوله إلى جائحة عالمية. ثم سرعان ما تحوّلت الأزمة إلى سوق فرصة تجارية ومجال تنافسٍ بين شركات إنتاج (وتداول) المستلزمات الطبية من كمّامات وأجهزة أوكسجين ومطهّرات وغيرها. بل انتقل التنافس إلى ساحة البحث العلمي، فتسابقت الجامعات والمراكز البحثية الطبية في الدول الكبرى على إنتاج لقاحاتٍ وتجربتها على البشر من دون البروتوكولات المقرّرة للتجارب الطبية، أي بأقل ضماناتٍ أو احتياطاتٍ طبيةٍ لفئران التجارب من البشر. ولم تختلف في ذلك الصين أو روسيا عن بريطانيا والولايات المتحدة. حتى المساعدات الطبية وإرسال شحنات من اللقاحات إلى الدول الفقيرة والأكثر تضرّراً من الجائحة تأثرت باعتباراتٍ سياسيةٍ ومعايير تسويقية. 
ولم يكد العالم يستفيق من لطمة كورونا، حتى لاحقته سلسلة كوارث طبيعية أخفّ حدّة وأضيق نطاقاً، فقد شهد الصيف الماضي تجسيداتٍ كثيرةً للتغيرات المناخية، خصوصاً الاحترار العالمي، فاندلعت سلسلة حرائق أكلت نيرانها غاباتٍ ومساحاتٍ واسعةً في الأميركتيْن وأستراليا والهند. بينما شهد الأوروبيون صيفاً هو الأشدّ حرارة في تاريخ القارّة العجوز. 
وفي الأيام الماضية، أخذت مطرقة الطبيعة تدقّ رؤوس سكان الشرق الأوسط، فضرب زلزال عنيف تركيا وسورية، ولحقه زلزال آخر أقل شدة. وقبلهما بأيام، وقع زلزال متوسّط الشدة في البحر المتوسط، شعرت به بعض مناطق في اليونان وقبرص ومصر.
وبسبب مأساوية الزلزال الكبير الذي ضرب تركيا وسورية، سارعت دول كثيرة إلى تقديم مساعدات. وتخلّت عن أية قيود، منها قانون قيصر المتعلق بالعقوبات على الحكومة السورية، غير أن الأمر لم يخلُ من التسييس هذه المرّة أيضاً، وكأن الإنسان لا يتعلم أبداً. فمن غير مبرّر، حاولت الحكومة في دمشق الانفراد بتحديد ما أسمتها المناطق الجديرة بتلقّي المساعدات حسب أولوية الاحتياج. وحيث لا سيطرة لدمشق ولا سيادة على معظم المناطق التي ضربها الزلزال، فإن ذلك الموقف ليس إلا انتهازية سياسية لإثبات الوجود، ولو شكلياً، على حساب أبرياء زُلزلت الأرض تحت أقدامهم. 
وليس بعيداً عن ذلك اتهام واشنطن بالتسبّب في ذلك الزلزال من خلال المشروع البحثي "هارب" الذي يتتبع طبقة الأيونوسفير في الغلاف الجوي للأرض ويدرسها. وليس من المحتمل، ولا في الخيال العلمي، أن يتسبّب أي نشاط بحثي في الغلاف الجوي بزلازل مصدرها باطن الأرض.
للأسف، لا يتّعظ البشر من دروس الطبيعة، ولا يتعلّمون أن المصالح الاقتصادية والنفوذ السياسي والحشود العسكرية ليست إلا مكاسب ضئيلة وآنية، وأن حشرة أو فيروساً أو أي ظاهرة طبيعية، كفيلةٌ بإعجاز الإنسان وكسر غطرسته، مهما بلغ من قوة أو تقدّم.

58A20E76-8657-4557-85A3-A5682BEB4B9A
سامح راشد

باحث مصري متخصص في العلاقات الدولية والشؤون الإقليمية للشرق الأوسط. درس العلوم السياسية وعمل في مراكز أبحاث مصرية وعربية. له أبحاث ومقالات عديدة في كتب ودوريات سياسية.