ثلاثية الجهراء .. أخيراً

30 يونيو 2022
+ الخط -

أخيراً، تحقق حلم ناصر الظفيري، رحمه الله، وأصبحت "ثلاثية الجهراء" بين يدي القرّاء كما كان يتمنّى. مكونة من ثلاث روايات للراحل، "الصهد" و"كاليسكا" و"المسطر". وعلى الرغم من أن ثلاثتها صدرت فعلاً قبل رحيله، إلا أن حلم إصدارها في طبعة واحدة وبأغلفة شبه موحدة ومن دار النشر نفسها، وبعنوان رئيس "ثلاثية الجهراء" كان حلمه الذي عمل عليه في سنته الأخيرة تحديداً، وتركه عهدةً بين يدي أصدقائه ودار النشر التي آمنت به وبمشروعه الروائي، مكتبة صوفيا، ممثلة بصاحبتها الناشرة رزان المرشد، فلم تقصّر ببذل كل جهودها في سبيل تحقيق هذا الحلم، خصوصاً مع معرفتها المسبقة أن الروايات ممنوعة من التداول في الكويت بأمر رقابي من وزارة الإعلام. ومع هذا، أصرّت رزان على المضي في المشروع، فشكلت فريق عمل من بعض أفراد أسرة الروائي الراحل وأصدقائه، وتشرفتُ أن أكون من أعضائه.

عندما كلمتني رزان بشأن الفريق التي تزمع تكوينه لإعادة نشر الروايات الثلاث تحت عنوان "ثلاثية الجهراء"، تذكرت واحدة من محادثاتي مع ناصر، وما زلت أحتفظ بها ضمن الرسائل الخاصة في حسابي على "تويتر"، طلب مني فيها أن أشرف على طبع الثلاثية وكتابة تقديمٍ لها. كان يدرك بحدسه أنه لن يعيش حتى يرى حلمه قد تحقّق، ولم يتسنَّ له التوقيع على نسخ الثلاثية، ومع هذا كان يعمل في سبيل الإنجاز قدر استطاعته، لأنه، ككل المناضلين في سبيل أدبهم وقضاياهم، آمن بأن الحلم سيتحقق أخيراً.

بدأ ناصر الظفيري مشروعه الروائي مبكّراً، عندما كتب روايته الأولى "عاشقة الثلج"، وأصدرها في عام 1992، واعتبرها مجرّد تدريب أولي على كتابة الرواية. وكان قبلها قد جرّب كتابة الشعر والقصص القصيرة، ثم تخلّى عن القصيدة بعد نشره بضع قصائد. تمسك بالفن القصصي دائماً، واعتبره الفن الأقرب إلى نفسه، لأنه قد يناسب نزقه الكتابي المبكر، وحيرته إزاء قضايا كونية كثيرة شغلته منذ كان طالباً في الثانوية.

نشر أول مجموعة قصصية "وليمة القمر" عام 1990، بعد منعها ثلاث سنوات في أثناء تشديد الرقابة في منتصف الثمانينيات. ونشرت مجموعته الثانية "أول الدم" في 1993. وعلى الرغم من أنه ظل يكتب القصص القصيرة دائماً في محطات استراحة جميلة، إلا أنه اتجه لاحقاً إلى الاحتفاء بالروايات. كانت قصصه تساؤلات متنوعة غارقة في وجوديتها، ولكنها في مجملها كانت تحوم حول الحمى من دون أن تقتحمه. وهذا يترجم شكل المرحلة النفسية لناصر الظفيري في تعامله المباشر مع ملفّ البدون في الكويت تحديداً، فقد يفاجئ كثيرين أن الكاتب الذي نعتبره، بحق، أول الكتّاب الذين اهتموا بهذا الملف المفتوح كجرح دامٍ، ومن أهمهم، لم يقترب منه مباشرةً قبل رحيله إلى كندا في عام 2001. قبلها، لأسباب كثيرة، بعضها أدبي ثقافي، وبعضها غير ذلك، لم يتماسّ ناصر مع موضوعه الذي أصبح لاحقاً موضوعه الوحيد، إلا بهوامش تشير ولا تقول، وإنْ كان يستطيع من يعرف تفاصيل هذا الملف أن يقرأ تلك التفاصيل بين سطور كل ما كتب ناصر الظفيري.

وفي روايتيه التاليتين، "سماء مقلوبة" (1995)، ثم "أغرار" (2008) كانت قد بدأت إرهاصات مشروعه الروائي الكبير، والذي تكون لاحقاً عبر ثلاث محطات رئيسة: "الصهد" في 2013، ثم "كاليسكا" في 2015، وأخيراً "المسطر" في 2017. لكن الروايات الثلاث التي صدرت عن دور نشر مختلفة لم تكن في بداياتها مشروعاً ثلاثياً موحداً قبل أن ينتبه الظفيري إلى أهمية توحيدها ثلاثية في سنتيه الأخيرتين كما أعتقد. وهكذا تنامى الحلم الذي أراده توثيقاً وتأريخاً لملفه الأثير في حياته وإبداعه، ما يجعله مستحقاً لمشروع نقدي يوازي أهميته لسبر أغواره وفتح الجرح كله لقراءة هذه الثلاثية من جديد ودائماً.

CC19B886-294F-4B85-8006-BA02338302F0
سعدية مفرح

شاعرة وكاتبة وصحفية كويتية، من مجموعاتها الشعرية "ليل مشغول بالفتنة" و"مجرد امرأة مستلقية"، ولها مؤلفات نقدية وكتب للأطفال. فازت بعدة جوائز، وشاركت في مهرجانات ومؤتمرات عدة.