توماس فريدمان في "المقابلة"

20 يناير 2022

توماس فريدمان في لقائه مع برنامج "المقابلة" على قناة الجزيرة

+ الخط -

بثّت قناة الجزيرة الإخبارية، الأحد الماضي، الجزء الثاني من برنامج ''المقابلة'' الذي استضاف فيه الإعلاميُّ علي الظفيري الكاتبَ الأميركي توماس فريدمان، أحد الصحافيين المؤثرين في الولايات المتحدّة، خصوصاً في ما يتعلق بقضايا الشرق الأوسط. ومن المعروف أنّ فريدمان استهل مساره المهني مراسلاً لصحيفة نيويورك تايمز في بيروت نهاية سبعينيات القرن المنصرم، الأمر الذي منحه درايةً بالمنطقة وملفاتها الملتهبة.

وعلى الرغم من أنّ فريدمان تطرّق في ''المقابلة'' إلى قضايا كثيرة، فإنّ ما قاله بشأن القضية الفلسطينية وثورات الربيع العربي يستوجب التوقف عنده. قال إنّه يؤمن "بحق الشعب اليهودي في دولة بوطنه التاريخي، غير أنّ ذلك يظل مشروطاً بوجود دولة للفلسطينيين''. وفي تقديره أنّ مبادرة السلام العربية (2002) تبقى الحلّ الأنسب للصراع، ما دامت تتضمّن الاعتراف بإسرائيل على أساس حلّ الدولتين. غير أنّ هذا الحل، حسب فريدمان، طالما اصطدم بعجز الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، عن إفراز قيادتين قادرتين على بلورة مخرجاته. وفي هذا السياق، يرى أنّ الطرفين يتحمّلان مسؤولية فشل الوصول إلى هذا الحلّ بعد اتفاق أوسلو: ''فإذا كان رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، أرييل شارون، قد أخطأ بزيارته الحرم الإبراهيمي، فإنّ ياسر عرفات أخطأ، كذلك، عندما شتّت انتباهه بانتفاضةٍ ثانيةٍ، في وقت كانت هناك قضايا مهمة أخرى على طاولة مفاوضات كامب ديفيد (2000)''.

لا يتردّد فريدمان في التعبير عن مناصرته إسرائيل وإعجابه بديمقراطيتها. لكنّه في الوقت نفسه لا يخفي قلقه بشأن مستقبلها، فاستمرارها في ضم أراضي الضفة الغربية وبناءِ مستوطنات جديدة قد يفضي إلى تراجع دعم إسرائيل داخل الولايات المتحدة، ما ستكون له تبعات كارثية على المجتمع الأميركي قد تصل إلى الحرب الأهلية، إذ، من المحتمل جداً، حسب رؤيته، أن يحدُث انقسام مجتمعي بين من يؤيد حلّ الدولتين ومن يؤيد إقامة نظام فصل عنصري في إسرائيل، وهو الانقسام الذي قد يتعزّز، في المستقبل، ببروز تيار ''يساري'' داخل الحزب الديمقراطي أكثر إنصافاً للفلسطينيين.

لا يضمر ذلك، فقط، الارتباط العضوي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، الذي يجد عنوانه الدالّ في الدعم الأميركي غير المشروط، بل يكشف، كذلك، المأزق البنيوي للمشروع الصهيوني الذي يستمد قوته من دعم الدول الغربية الكبرى التي ترى فيه أداةً لتمكينها من الهيمنة على المنطقة واستهداف مقدّراتها، فهذا المشروع لا يرى في ''الآخر'' الفلسطيني إلّا خطراً وجودياً ينبغي اجتثاثه. وهو ما ينسف حلّ الدولتين الذي يدافع عنه فريدمان، في ظلّ سياسات التهويد والاستيطان والاجتثاث التي تبنّتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة.

يقرّ فريدمان بانتكاسة ثورات الربيع العربي ووصولها إلى الباب المسدود، بعد ما آلت إليه الديمقراطية التونسية، إلّا أنّه تجنّب الخوض في أسباب ذلك، مفضلاً الحديث عن تجربة التعدّدية في الأندلس، وضرورةِ بناء التعدّدية الدينية والتعليمية والإعلامية في المجتمعات العربية، في تعويم واضح للأسباب العميقة التي تُعيق الإصلاح السياسي في المنطقة. غير أنّه كان صريحاً، في المقابل، في جوابه على سؤال بشأن الأسباب التي تقف خلف دعم الولايات المتحدة أنظمة الاستبداد العربي، حين اعتبر أنّ المصالح الأميركية تحول دون تحوّل نوعي في رؤية واشنطن إلى قضايا الإصلاح الديمقراطي في المنطقة.

من ناحية أخرى، كان لافتاً تبنّي فريدمان السردية الأميركية بشأن الصين، إذ لم يُخفِ تخوّفه من الصعود الاقتصادي والتكنولوجي الذي أحرزه المارد الأصفر، ويرى أنّ الهيمنة الأميركية على الاقتصاد العالمي ينبغي أن تظلّ أولوية لدى صنّاع القرار في الولايات المتحدة، وهو ما يتطلب الانخراط في حلّ ''المشكلة الصينية'' حتى لا يتحوّل فائض القوة الاقتصادية لدى الصين إلى نفوذ سياسي واستراتيجي عابر للحدود.