15 نوفمبر 2024
تهئنة لطلاب الإعلام العرب
اشتركت ثلاث صحفٍ حكومية، أردنية وإماراتية ومصرية، في المانشيت نفسه "انقلاب عسكري في تركيا". واشتركت اثنتان مصريّتان، حكومية وخاصة، ليس في المانشيت وحده، بل أيضاً في الخطأ اللغوي فيه، "الجيش التركي يطيح بأردوغان" (الباء زائدة). وكان في وسع القائمين على أمور التحرير في هذه الزميلات (؟)، في الساعة الثانية عشرة تلك الليلة، أن يخفّفوا، قليلاً فقط، من غلوّهم المعتاد في مسحهم الجوخ الذي يألفون ممارسته، ليلياً، تجاه حكومات بلدانهم، فلا يُحرجونها في هذا الصنف الرديء من السماجة، ويعنونون الصفحات الأولى لجرائدهم بالخبر المؤكّد، وهو "محاولة انقلاب في تركيا"، حتى إذا تنفّس الصبح، ذهبوا إلى زغاريدهم بنجاح الانقلاب إذا نجح، أو عالجوا الخيبة التي ألحقتها بهم بساطير العسكر الأتراك، بنشر أطروحات عباقرة معلقيهم والمحرّرين لديهم، عن العلمانية التركية التي تحتاج دائماً للجيش لحمايتها، كما أتحفنا أحدُهم في واحدة من هذه المطبوعات.
يستحقّ طلاب أقسام الإعلام والاتصال الجماهيري والصحافة في الجامعات والمعاهد والأكاديميات العربية التهنئة، لأن عيّناتٍ دالةً وكاشفةً وبالغة الأهمية توفّرت أمامهم، في ليلة السبت الماضي، تُسعفهم في إنجاز تحليلاتٍ عمليةٍ لما يدرسونه من نظرياتٍ وأفكار عن علاقة الإعلام بالسلطة، وعن الإعلام والانحيازات السياسية. وإنْ عليهم أن يبذلوا جهداً في أرشفة هذه المواد الإخبارية الغزيرة في الموضوع التركي، وعن محاولة الانقلاب الفاشلة خصوصاً، في تلك الليلة الطويلة التي بدا فيها مذيعٌ في فضائيةٍ مصرية كأنه يرقص في مقعده، من فرط بهجته بإطاحة أردوغان الذي طلب اللجوء إلى ألمانيا، بحسب الفضائية التي توظّفه، وزميلاتها في غير بلدٍ عربي. وطلاب الإعلام والصحافة العرب محظوظون أيضاً لأنهم أمام حالاتٍ للدرس الأكاديمي والتحليل العلمي، غير مسبوقة، من قبيل مسارعة موقع إلكتروني مصري إلى حذف كل ما نشره بشأن محاولة الانقلاب في ساعاتها الأولى، بعد النهاية "غير السعيدة" التي أكّدت الوقائع تالياً أنها تسببت للسلطة في مصر بسُعارٍ مرضي، جعلها في الحالة الكوميدية المؤسفة في مجلس الأمن، عندما حاول ممثلها نزع وصفٍ عن الحكومة التركية لم يعجبه.
لم تكن مصر الملعب الوحيد الذي انتحر فيه الإعلام بالشكل الذي رأينا، فقد تكشّف، في تلفزاتٍ وصحفٍ ومواقع إلكترونية غير قليلة، في الأردن ولبنان والإمارات، أمثلةً، (هل يجوز ضم سورية؟)، أن أمراض الإعلام العربي أكثر مما كنا نعلم أو نخمّن. نتفهّم أن لكل وسيلة إعلام خياراتها السياسية، وهذا حقّها، غير أن مذبحةً مورست، تلك الليلة، على المهنية الإعلامية، أو لنقل بتواضع، على الحدود الدنيا منها. لم نعد ننعم بترفٍ ذهنيٍّ يجعلنا نرفض أن تكون هذه الفضائية مع أردوغان وتلك ضده. لا مشكلة في هذا الأمر. ولكن تستطيع، وأنت في موقفك من الرجل، أن تحافظ على مقادير موزونة من المهنية في أدائك الإعلامي، بل وفي تظهير اجتهادك السياسي إنْ شئت، حتى في أثناء تسارع أخبارٍ عن محاولة انقلابٍ، قد تنجح أو تفشل، ضد الرئيس التركي. وإذا كنت على درجةٍ عاليةٍ من الاحتراف، لن تجد نفسك مضطراً إلى أن تبيع لجمهورك مسكك العصا من المنتصف، فمشاهدُك، أو قارئك، يعرف أن أردوغان هو رئيس تركيا، وليس رئيس الإكوادور، وتركيا في زمنه ليست التي كانت تجري فيها الانقلابات ومحاولاتها بوفرةٍ، في أزمنة مضت، ولم يكن المواطن العربي يكترث بشأنها.
وللدرس الأكاديمي نفسه، وللتعرّف جيداً على مجمل السلوك الإعلامي العربي، بمختلف تنويعاته ومستوياته المهنية، يحسُن التوكيد، هنا، على أن رقيّاً رفيعاً اتصفت به صحفٌ ومواقع إلكترونية وفضائياتٌ في متابعتها الواقعة التركية الجديدة، لك أن تختلف مع خياراتها السياسية، ما يعني أن الرهان ممكنٌ، ودائماً، على مضيءٍ كثيرٍ في اللوحة العربية التعيسة. ونظنّها فرصةً مثلى لينكبّ باحثون وطلبة جادّون على "تحليل مضامين" الإعلام العربي، في ست ساعاتٍ من ليلةٍ استثنائية، أخذت في أثنائها السياسةُ، في أحط قيعانها، الإعلام الملتحق بها إلى مشهدٍ انتحاري مثير... ومُحزن.
يستحقّ طلاب أقسام الإعلام والاتصال الجماهيري والصحافة في الجامعات والمعاهد والأكاديميات العربية التهنئة، لأن عيّناتٍ دالةً وكاشفةً وبالغة الأهمية توفّرت أمامهم، في ليلة السبت الماضي، تُسعفهم في إنجاز تحليلاتٍ عمليةٍ لما يدرسونه من نظرياتٍ وأفكار عن علاقة الإعلام بالسلطة، وعن الإعلام والانحيازات السياسية. وإنْ عليهم أن يبذلوا جهداً في أرشفة هذه المواد الإخبارية الغزيرة في الموضوع التركي، وعن محاولة الانقلاب الفاشلة خصوصاً، في تلك الليلة الطويلة التي بدا فيها مذيعٌ في فضائيةٍ مصرية كأنه يرقص في مقعده، من فرط بهجته بإطاحة أردوغان الذي طلب اللجوء إلى ألمانيا، بحسب الفضائية التي توظّفه، وزميلاتها في غير بلدٍ عربي. وطلاب الإعلام والصحافة العرب محظوظون أيضاً لأنهم أمام حالاتٍ للدرس الأكاديمي والتحليل العلمي، غير مسبوقة، من قبيل مسارعة موقع إلكتروني مصري إلى حذف كل ما نشره بشأن محاولة الانقلاب في ساعاتها الأولى، بعد النهاية "غير السعيدة" التي أكّدت الوقائع تالياً أنها تسببت للسلطة في مصر بسُعارٍ مرضي، جعلها في الحالة الكوميدية المؤسفة في مجلس الأمن، عندما حاول ممثلها نزع وصفٍ عن الحكومة التركية لم يعجبه.
لم تكن مصر الملعب الوحيد الذي انتحر فيه الإعلام بالشكل الذي رأينا، فقد تكشّف، في تلفزاتٍ وصحفٍ ومواقع إلكترونية غير قليلة، في الأردن ولبنان والإمارات، أمثلةً، (هل يجوز ضم سورية؟)، أن أمراض الإعلام العربي أكثر مما كنا نعلم أو نخمّن. نتفهّم أن لكل وسيلة إعلام خياراتها السياسية، وهذا حقّها، غير أن مذبحةً مورست، تلك الليلة، على المهنية الإعلامية، أو لنقل بتواضع، على الحدود الدنيا منها. لم نعد ننعم بترفٍ ذهنيٍّ يجعلنا نرفض أن تكون هذه الفضائية مع أردوغان وتلك ضده. لا مشكلة في هذا الأمر. ولكن تستطيع، وأنت في موقفك من الرجل، أن تحافظ على مقادير موزونة من المهنية في أدائك الإعلامي، بل وفي تظهير اجتهادك السياسي إنْ شئت، حتى في أثناء تسارع أخبارٍ عن محاولة انقلابٍ، قد تنجح أو تفشل، ضد الرئيس التركي. وإذا كنت على درجةٍ عاليةٍ من الاحتراف، لن تجد نفسك مضطراً إلى أن تبيع لجمهورك مسكك العصا من المنتصف، فمشاهدُك، أو قارئك، يعرف أن أردوغان هو رئيس تركيا، وليس رئيس الإكوادور، وتركيا في زمنه ليست التي كانت تجري فيها الانقلابات ومحاولاتها بوفرةٍ، في أزمنة مضت، ولم يكن المواطن العربي يكترث بشأنها.
وللدرس الأكاديمي نفسه، وللتعرّف جيداً على مجمل السلوك الإعلامي العربي، بمختلف تنويعاته ومستوياته المهنية، يحسُن التوكيد، هنا، على أن رقيّاً رفيعاً اتصفت به صحفٌ ومواقع إلكترونية وفضائياتٌ في متابعتها الواقعة التركية الجديدة، لك أن تختلف مع خياراتها السياسية، ما يعني أن الرهان ممكنٌ، ودائماً، على مضيءٍ كثيرٍ في اللوحة العربية التعيسة. ونظنّها فرصةً مثلى لينكبّ باحثون وطلبة جادّون على "تحليل مضامين" الإعلام العربي، في ست ساعاتٍ من ليلةٍ استثنائية، أخذت في أثنائها السياسةُ، في أحط قيعانها، الإعلام الملتحق بها إلى مشهدٍ انتحاري مثير... ومُحزن.