تلك المدرسة الأردنية للبنات

25 اغسطس 2021
+ الخط -

تفاجئك اللهجة الأردنية التي لا تختلف كثيرا عن اللهجة الفلسطينية، ولكن تبدو مخارج الألفاظ غير مفهومة، ربما لأن الممثلات الشابات مبتدئات، أو ربما، وهذا هو الأقرب إلى الصواب، أنهن يخضن في قضايا أنثوية شائكة، فتتخيّل، وأنت تستمع للحوارات، كأن العبارات ترتفع وتنخفض وتيرتها في توجّس، وإن لم يخلُ بعضها من جرأة مثل الطالبة التي تحدّثت بشرحٍ يكاد يكون تفصيلياً عن سبب اضطرارها للذهاب إلى دورة المياه بعد انتهاء الدوام الدراسي، وكان من الممكن أن تختصر الشرح بأن تطرق برأسها في حياء، لأن سبب تردّد الفتيات على دورة المياه في المدرسة الثانوية يكاد يكون مفهوماً، ولا داعي لشرحه لخدش حياء المشاهد، خصوصا أن منصّة عرض المسلسل الأردني الجديد القصير (ست حلقات) هي منصّة مفتوحة، ويستطيع متابعتها أي فرد من أفراد العائلة، طالما هو يدفع اشتركا منتظما.

هكذا كنت أشاهد مسلسل "مدرسة الروابي للبنات" من خلال منصّة "نتفليكس" التي اكتشفت أنها تعرض أعمالا قد تكون جادّة بعض الأحيان، وأن سرّ رواج المنصّة طرقها قضايا مهمة في المجتمعات العربية، من خلال الدراما العربية عامة، وأن موضة المسلسلات قصيرة الحلقات قد اجتاحتها لكي تلائم نمط الحياة أولاً، ومزاج مشاهديها ثانياً. لكنّ الحقيقة أن هذا المسلسل قد وضع في عبوة خلاط كهربائي واحدة مجموعة من القضايا الاجتماعية والسلوكية المهمة التي يمكن أن يطلق عليها أنها القضايا المسكوت عنها في المجتمعات العربية.

يجذبك في "مدرسة الروابي للبنات" النشيد الخاص بها، والذي تجد نفسك تردّده بينك وبين نفسك، وأنت تقف في مطبخك لتعدّ قهوتك بيدك، ولكنك قد تتوقف لتكتشف أنك لم تحفظ سوى كلمات قليلة منه، وأن طالبات المدرسة لم يكنّ كذلك، أي لم يكن إلى القمم محلّقات ولا سائرات أو حتى متسكّعات، فالمسلسل يصدمك، منذ مشاهده الأولى، بالصراعات بين الطالبات المراهقات، وتكتشف أن هناك طالبة تهرُب من المدرسة، لتلتقي برفيقها الذي يتضح، في نهاية الأحداث، أنه ابن مديرة المدرسة، وحين تقرّر طالبة أخرى أن تشي بها عند إدارة المدرسة، تعتدي الطالبة المتسرّبة من مدرستها، والمتغطرسة بحكم نفوذ أبيها الواسع، بالضرب على الطالبة الواشية، حتى يرتطم رأسها بالأرض وتفقد وعيها. وحين يتم البحث والتحرّي بشأن أحداث الواقعة، تعمل الطالبة المعتدية، ليان، على السير على مبدأ "ضربني وبكى وسبقني واشتكى". وهكذا فقد لفّقت للطالبة الواشية تهمة التحرّش الجنسي الشاذ بها، وقد صدّقها الجميع لأسباب كثيرة، وتم إغلاق ملف الحادثة، ووصمت الطالبة مريم بالعار.

كشفت هذه الحادثة المحورية عن جرأة تناول صانعات المسلسل، تأليفا وإخراجا وإشرافا على الإنتاج، قضايا المراهقين والمراهقات في المجتمعات العربية، وعن تركيبة مجتمعاتنا التي تؤدّي إلى هذه الظواهر. وأهم ما يحزن في قضايا البنات أن الأهل لا يتعاطفون مع البنت، بل يضيقون عليها حرّيتها وحياتها لمجرّد وشاية. وهذا ما حدث مع الطالبة مريم التي لم تصدّق أمها أنها لا تعاني من شذوذ نحو بنات جنسها، وقرّرت أن تعالجها عند طبيبة نفسية، ما جعل هذه الخطوة التي انكشفت فيما بعد من وسائل التنمّر عليها في المدرسة.

الحبكة ربما تكون مكرّرة عن أي شخص يتعرّض للظلم، ويقرّر الانتقام من ظالميه لنفسه، وللمظلومين في الأرض، حسب وجهة نظره. والتكرار كان في أعمال سينمائية كثيرة، بدءا من فيلم "أمير الانتقام" (1950) الذي تعاطف معه المشاهدون، وهو يقرّر الانتقام بأساليب ماكرة وقاسية ممن ظلموه. وهذا ما فعلته طالبة صغيرة ممن ظلمنها، مستخدمةً وسائل التواصل الاجتماعي والتقنيات الحديثة التي وفّرت لها طرق التتبع وتقصي تحرّكات الطالبات اللواتي كانت تشعر بالنقمة عليهن. ولكن الانتقام الصغير الساذج كان من الممكن أن يبقى كذلك، وقد قمنا به جميعنا في مراهقتنا، وفي لحظات ثورة داخلية، لولا أنه قد انتهى بمقتل الطالبة المتغطرسة.

سما حسن
سما حسن
كاتبة وصحفية فلسطينية مقيمة في غزة، أصدرت ثلاث مجموعات قصصية، ترجمت قصص لها إلى عدة لغات.