تغيير وتوزير بلا معايير
تضمّنت عملية التغيير الوزاري الذي جرى في مصر، أول من أمس، مشاهد بالغة الدلالة على الصعيدين، الرمزي والفعلي. فرغم انتظاره طويلاً، حدث التغيير بشكل مفاجئ، إلى حد أن نواب البرلمان الذين استُدعوا على عجل لجلسة طارئة، لم يكونوا على علم بسبب الدعوة ولا بموضوع الجلسة. ولأن مجلس النواب في إجازة برلمانية حالياً، فإن بعض النواب بالكاد وصلوا إلى الجلسة في الموعد المحدد، حيث ينتمي كثيرون إلى محافظات بعيدة عن القاهرة. وتتجلى هنا أولى ملامح العبثية في المشهد الراهن، فوفقاً للنص الدستوري، لمجلس النواب أن يلبّي الدعوة الرئاسية للانعقاد خلال أسبوع من تسلّمها. لكنّ القصة كلها أخذت أقلّ من 24 ساعة، توجيه الدعوة وتسلّمها مساء يوم الجمعة، وتحديد موعد الجلسة وإرسال استدعاءات للنواب، وبعد ساعات تنعقد الجلسة ويجري التصويت ويُقَرّ التعديل في 20 دقيقة من بعد ظهر السبت.
وإذ لا منطق ولا معنى للتغيير الوزاري في هذا التوقيت تحديداً، فإن تلك العجلة الشديدة غير مبرّرة، إلا في توصيل الدلالة الأسوأ فيها، وهي أن أولئك النواب أشبه بروبوتات مبرمجة، ومؤسسة البرلمان ليست سوى أداة لاستكمال الصبغة القانونية لإرادة السلطة العليا في الدولة.
تضمّن التغيير 13 حقيبة وزارية، أي ما يقرب من نصف الحكومة. وباستعراض تلك الحقائب، تتكاثر الأسئلة عن أسباب خروج وزراء ومعايير اختيار آخرين، ودواعي بقاء وزراء سيئي الأداء في مناصبهم، يحظون بكراهية واسعة في الشارع المصري. ويلاحظ هنا أنه ما من وزير واحد ممن غادروا الحكومة تعاطف المصريون معه أو حزنوا على خروجه. بينما كادت شوارع مصر ترقص فرحاً بخروج بعضهم، مثل وزير التعليم صاحب الأزمات المتتالية والاستفزازات المستمرّة لكل فئات المجتمع. لكنّ الواضح أنّ تلبية رغبات الشارع لم تكن الدافع وراء التغيير، فالاحتقان والغضب يسودان المصريين منذ سنوات تجاه وزراء آخرين، لا وزير التعليم فقط، فلوزير الأوقاف جولات وصولات في استفزاز المواطنين بقراراتٍ مثل توحيد خطبة الجمعة وإغلاق المساجد ومنع صلاة العيد في الساحات المفتوحة وفضّ الصلاة وملاحقة المصلين كما لو كانوا مجرمين إذا تجاوزوا الوقت المحدّد لصلاتي القيام والتهجد في شهر رمضان. أما وزير التموين، فله تاريخ طويل من التضييق على الفقراء، وهم غالبية الشعب المصري. وكما من غير المعلوم سبب بقاء هؤلاء الوزراء ذوي الخبرة السلبية مع المصريين، ليس معلوماً أيضاً سبب مغادرة معظم الوزراء السابقين، مثل وزراء الآثار والتنمية المحلية والطيران والري والصناعة والإنتاج الحربي. بينما يوجد ثلاثة وزراء فقط معروفة أسباب خروجهم، وهم وزراء التعليم والهجرة والصحة. فالأول صاحب أسوأ بصمات لوزير تعليم في تاريخ مصر، والثانية تعاني من تورّط نجلها بقتل اثنين في الولايات المتحدة، أما الثالثة فهي خارج الحكومة منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بسبب قضية فساد دين فيها أخيراً أفراد من أسرتها ومسؤولون في مكتبها.
وكما خرج بعضهم من دون سبب معلوم، دخل آخرون بلا سبب أو معيار مفهوم. فمثلاً، لم يعرف أحد سبب تغيير وزير الري، وهو يتولى الجانب الفني المائي في ملف سد النهضة شديد الأهمية والحساسية للأمن المصري. أما بديله فأكاديمي يعمل أستاذاً في الجامعة الأميركية في القاهرة، أي من خارج منظومة وزارة الري ومن خارج الجامعات المصرية. أما وزارة السياحة والآثار فتولاها مسؤول في أحد البنوك، أي تنحصر خبراته في العمل المصرفي.
المغزى الأبعد لمشهد التوزير في مصر، أن الوزراء السابقين واللاحقين ليسوا سوى "سكرتارية" تنفذ التعليمات الرئاسية، وأن التغيير الوزاري الذي لا يراعي التخصّص ولا منطقية الأسباب في الاستبعاد أو الاختيار بمثابة تأكيد عملي لهذه الفكرة.