تعاطفاً مع هنيبعل القذافي
ليس هو فائضٌ من الدّعة يرفل فيه صاحب هذه الكلمات يدفعُه إلى الاكتراث، هنا، بالمواطن الليبي هنيبعل معمّر القذافي (1975) المحبوس في لبنان منذ ثماني سنوات، من دون محاكمة، فيما عشرات القضايا، المصيرية وغير المصيرية، تتدافع في غير بلدٍ عربي، قد تبدو أدعى إلى الانتباه من محنة هذا الرجل الذي يستدعي اسمُه إلى البال وقائع وفضائح (صحيحة أو غير صحيحة) في أرشيفه وأرشيف والده وبعض أشقّائه، تُنبئ عن سيرٍ غير عطرة. ولكنهما خبران عبَرا، أخيرا، بشأن نجل العقيد القتيل، ربما يصلحان دافعاً للتوقّف عند مسألةٍ لا يصحّ، أقلّه أخلاقياً، تجاوُزها، أنّ ثمّة في لبنان لامبالاة حادّة تجاه السجون وأوضاعها شديدة البؤس، ومن ذلك أنّ 23 شخصاً قضوا فيها، وبعضُهم انتحاراً، في أقلّ من سنة، بحسب المحامي محمد صبلوح الذي يدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين اللبنانيين، نتيجة صعوبة الحصول على الغذاء الصحّي والمياه النظيفة والرعاية اللازمة، عدا عن الاكتظاظ الكثير، في مراكز الاحتجاز، وأعداد غير المحكومين في السجون، وهؤلاء، بحسب وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، بسّام مولوي، نحو 80% من المسجونين الذين عددهم نحو ثمانية آلاف.
أما ذانك الخبران، فالأول أنّ هنيبعل في حالةٍ صحّية متدهورة، بعد إضرابه منذ أيام عن الطعام، احتجاجاً على سوء معاملته، واستمرار احتجازه من دون محاكمة، على ما نُقل عن محاميه. وهنا، يصبح التعاطف مع الربّان البحري السابق (عمله قبل سنوات) في محلّه، سيما إذا جرى النظر إلى حالته في سياق الشناعة البالغة للسجون في لبنان، الشناعة التي لا يبدو أن السلطة في وارد الاستجابة لنداءات منظمّاتٍ حقوقيةٍ محليةٍ ودوليةٍ من أجل أن تتحسّن. الخبر الثاني أنّ المجلس الرئاسي الليبي أعلن، الخميس الماضي، عن تشكيل لجنةٍ برئاسة وزيرة العدل في حكومة الوحدة الوطنية، حليمة عبد الرحمن، مكلّفة بالتواصل مع السلطات اللبنانية لضمان توفير الظروف الإنسانية للمواطن هنيبعل القذّافي، و"التنسيق مع المنظّمات الدولية لضمان التزام السلطات اللبنانية بتوفير محاكمةٍ عادلةٍ ونزيهة له". وأيضاً بمتابعة ملفّ نجل القذافي "من حيث أوضاعه الصحّية وظروف إقامته داخل السجن". وطولبت اللجنة بـ"العمل على تشكيل هيئة دفاعٍ تتولّى المتابعة القانونية أمام كافة الجهات والمحاكم اللبنانية بما يكفل توفير محاكمةٍ عادلة".
ومن عجائب ما صودف في الأثناء، أن رئيس حكومة الوحدة الوطنية الليبية، عبد الحميد الدبيبة، قال، قبل أيام، إنه تواصل مع رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، نجيب ميقاتي، بشأن هنيبعل، غير أنّ ميقاتي نفى حدوث هذا الاتصال. وبحسب الدبيْبة، فإنّ نجل القذافي، المتزوّج من عارضة أزياء لبنانية، غير محتجزٍ لدى الحكومة اللبنانية، وذلك فيما يردّد حكوميون ليبيون، أحدُهم السفير في دمشق، أنّ حركة أمل هي من تحتفظ به سجيناً لديها، ما يعني، إذا صحّ هذا، أننا أمام حالة اختطافٍ مشهودة، لا تنفي مسؤولية السلطة في لبنان عنها. وقد جاءت الأخبار أن خطف هنيبعل جرى في دمشق في 2015، ثم سيق إلى بيروت، وبعد إطلاق سراحه، احتفظ به الأمن اللبناني، وحوكم بتهمة تحقير القضاء اللبناني، غير أن هذا القضاء برّأه من هذا في 2017، ونصّ الحكم على عدم تعقّبه. غير أن الذي يجري له في هذه المتوالية من الوقائع الغريبة يدلّ على أن استقواءً مورس عليه، في استضعافٍ متعمّدٍ لحاله، عارياً من أي سلطة، ومن دون أي نفوذٍ أو حمايةٍ أو تغطية. ومن العجيب أن احتجازه المديد إنما يجري لاتهامٍ قضائيٍّ له بكتم معلوماتٍ عن مصير الإمام موسى الصدر (ورفيقيه الشيخ محمد يعقوب والصحافي عباس بدر الدين) في طرابلس (الغرب) عام 1978، فيما يقول صاحبُنا (؟) إنه لا يعلم شيئاً في هذا، فقد كان عمرُه عاميْن عندما حدثت "جريمة إخفائهم".
هل تنعطف قضية هنيبعل القذّافي إلى نهايتها بعد تشكيل اللجنة الليبية الرسمية الرفيعة، وبعد إضرابه وتدهور صحّته اللذيْن ذاعت أنباءٌ عنهما أخيراً؟ ربما. لكن المؤكّد أنّ الدراما التي يتعرّض لها منذ خطفه واحتجازه وبهدلته وابتزازه في لبنان مُدانة، ولا تليق بلبنان الحرية والديمقراطية. إذاً، يستحقّ نجل معمّر القذافي تعاطفاً لازماً، وهو الذي يتعرّض لعسفٍ معلوم هناك.