13 نوفمبر 2024
ترتيبات ما بعد داعش
فيما تقترب "دولة الخلافة" التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية من نهايتها في سورية والعراق، تشتد المنافسة على ورثة أراضي التنظيم في البلدين، تمهيداً لترتيبات ما بعد الحرب، حيث بات محتملاً أن تتغير الخرائط، فيما ترتسم الحدود الجديدة بالدم. في سورية، وفيما تستمر عملية إضعاف المعارضة وتحييدها، يكاد التنافس ينحصر اليوم بين النظام السوري ومن ورائه روسيا وإيران، من جهة، والقوى الكردية وحليفها الأميركي، من جهة أخرى. ويشتد التنافس حالياً حول دير الزور، المحافظة السورية الأغنى بالنفط والغاز، والمعبر الطبيعي بين سورية والعراق. هنا، حيث يرسم نهر الفرات حداً طبيعياً فاصلاً بين الطرفين، تحاول قوات النظام السوري السيطرة على المناطق الواقعة غرب النهر وجنوبه، فيما تغذ الولايات المتحدة الخطى للسيطرة على المناطق الواقعة شرق النهر وشماله، لمنع قوات النظام من العبور إليها حال هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية. لذلك سارعت، وحتى قبل أن تنتهي معركة الرقة، بتوجيه وحدات الحماية الكردية إلى دير الزور، بعد التقدم الكبير الذي حققه النظام باتجاه المدينة. المنطقة الأخرى التي يجري تنافس عليها هي إدلب، حيث المعركة المنتظرة لانتزاعها من يد هيئة تحرير الشام (التحالف الذي يضم جبهة النصرة سابقاً). هنا ستحاول الولايات المتحدة زجّ الوحدات الكردية في معركة إدلب، انطلاقاً من منطقة عفرين المتاخمة. لكن الأرجح أن يتمكّن الأتراك بالتنسيق مع الإيرانيين والروس من إحباط المسعى الأميركي، علماً أن هذا سيكون البند الرئيس في مباحثات أستانة التي تجري في اليومين المقبلين، ووصفها الرئيس التركي، أردوغان، بأنها نهائية وحاسمة.
في كل الأحوال، ستبقى الجزيرة السورية كلها، والتي تشمل كامل محافظة الحسكة وأجزاء من محافظتي دير الزور والرّقة (تمثل ثلث مساحة سورية تقريباً) في يد وحدات حماية الشعب الكردية. وعلى الرغم من أنه من المستبعد أن يعلن أكراد سورية دولة حالياً في هذه المناطق، إلا أنه بات مؤكداً أن البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) الذي أطلق الرئيس دونالد ترامب يده، لترتيب الأوضاع في سورية والعراق في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية، سوف يكرّر في منطقة الجزيرة السورية سيناريو الحظر الجوي الذي تم تطبيقه في مناطق كردستان العراق بعد حرب تحرير الكويت وانتفاضة 1991. وكان قصف الطيران الأميركي تقدّم قوات النظام السوري باتجاه مدينة الطبقة التي انتزعها الأكراد من يد تنظيم الدولة الإسلامية في يوليو/ تموز الماضي بمثابة إعلان نوايا أميركية بأنه لن يسمح للنظام السوري، أو أي نظام آخر يخلفه، العودة إلى منطقة الجزيرة. ويبدو واضحاً أن واشنطن، من خلال القواعد العسكرية التي تبنيها في المناطق المتاخمة للحدود مع تركيا، تميل إلى انشاء بديل عن قاعدة إنجرليك الجوية التي تستخدمها تركيا ورقة ضغط على الولايات المتحدة، لتغيير موقفها من الأكراد.
وبغض النظر عن شروط التسوية السياسية التي يسعى الروس إلى تسويقها في سورية، بتنا أمام معادلة نفوذ ثلاثية، أطرافها روسيا والولايات المتحدة وإيران، فيما تحصل تركيا على منطقة نفوذ ضيقة شمال حلب (مثلث جرابلس –الباب – إعزاز)، تنحصر مهمتها الأساسية في منع التواصل بين مناطق الإدارة الكردية الثلاث في الجزيرة وعين العرب وعفرين.
تسلك الأمور، في العراق، مسلكاً مشابهاً، وإن بعدد لاعبين أقل، إذ يتجه الأكراد إلى استفتاء تقرير المصير يوم 25 سبتمبر/ أيلول الجاري، فيما يحتدم الصراع حول كركوك والمناطق المتنازع عليها بين بغداد التي يختلط داخلها النفوذان، الأميركي والإيراني، وأربيل المدعومة أميركياً. هنا، وفي غياب كامل للنفوذ الروسي، وحضور ضعيف للتركي ستشكل الانتخابات البرلمانية المقبلة محطة مهمة لتحديد النفوذين، الأميركي والإيراني، حيث تأمل واشنطن، العائدة إلى العراق من بوابة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، أن يتمكّن رئيس الوزراء، حيدر العبادي، من ترجمة انتصاره على التنظيم إلى مكاسب سياسية تعزّز موقع كتلته في المشهد العراقي في مواجهة رجالات إيران، وفي مقدمتهم نوري المالكي. في الأثناء، سوف ينسحب تنظيم الدولة الإسلامية، ويتربص في الصحراء، مراقبًا الصراع الذي يجري على ورثته، بانتظار فرصة مقبلة للوثوب مجدّداً، وهو ما لن يعدم أسبابه.
في كل الأحوال، ستبقى الجزيرة السورية كلها، والتي تشمل كامل محافظة الحسكة وأجزاء من محافظتي دير الزور والرّقة (تمثل ثلث مساحة سورية تقريباً) في يد وحدات حماية الشعب الكردية. وعلى الرغم من أنه من المستبعد أن يعلن أكراد سورية دولة حالياً في هذه المناطق، إلا أنه بات مؤكداً أن البنتاغون (وزارة الدفاع الأميركية) الذي أطلق الرئيس دونالد ترامب يده، لترتيب الأوضاع في سورية والعراق في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة الإسلامية، سوف يكرّر في منطقة الجزيرة السورية سيناريو الحظر الجوي الذي تم تطبيقه في مناطق كردستان العراق بعد حرب تحرير الكويت وانتفاضة 1991. وكان قصف الطيران الأميركي تقدّم قوات النظام السوري باتجاه مدينة الطبقة التي انتزعها الأكراد من يد تنظيم الدولة الإسلامية في يوليو/ تموز الماضي بمثابة إعلان نوايا أميركية بأنه لن يسمح للنظام السوري، أو أي نظام آخر يخلفه، العودة إلى منطقة الجزيرة. ويبدو واضحاً أن واشنطن، من خلال القواعد العسكرية التي تبنيها في المناطق المتاخمة للحدود مع تركيا، تميل إلى انشاء بديل عن قاعدة إنجرليك الجوية التي تستخدمها تركيا ورقة ضغط على الولايات المتحدة، لتغيير موقفها من الأكراد.
وبغض النظر عن شروط التسوية السياسية التي يسعى الروس إلى تسويقها في سورية، بتنا أمام معادلة نفوذ ثلاثية، أطرافها روسيا والولايات المتحدة وإيران، فيما تحصل تركيا على منطقة نفوذ ضيقة شمال حلب (مثلث جرابلس –الباب – إعزاز)، تنحصر مهمتها الأساسية في منع التواصل بين مناطق الإدارة الكردية الثلاث في الجزيرة وعين العرب وعفرين.
تسلك الأمور، في العراق، مسلكاً مشابهاً، وإن بعدد لاعبين أقل، إذ يتجه الأكراد إلى استفتاء تقرير المصير يوم 25 سبتمبر/ أيلول الجاري، فيما يحتدم الصراع حول كركوك والمناطق المتنازع عليها بين بغداد التي يختلط داخلها النفوذان، الأميركي والإيراني، وأربيل المدعومة أميركياً. هنا، وفي غياب كامل للنفوذ الروسي، وحضور ضعيف للتركي ستشكل الانتخابات البرلمانية المقبلة محطة مهمة لتحديد النفوذين، الأميركي والإيراني، حيث تأمل واشنطن، العائدة إلى العراق من بوابة الحرب على تنظيم الدولة الإسلامية، أن يتمكّن رئيس الوزراء، حيدر العبادي، من ترجمة انتصاره على التنظيم إلى مكاسب سياسية تعزّز موقع كتلته في المشهد العراقي في مواجهة رجالات إيران، وفي مقدمتهم نوري المالكي. في الأثناء، سوف ينسحب تنظيم الدولة الإسلامية، ويتربص في الصحراء، مراقبًا الصراع الذي يجري على ورثته، بانتظار فرصة مقبلة للوثوب مجدّداً، وهو ما لن يعدم أسبابه.