تداعيات الحرب وعبء الميراث التاريخي في إثيوبيا

29 نوفمبر 2021

مجندون عسكريون جدد ينضمون إلى قوات الدفاع الإثيوبية في أديس أبابا (24/ 11/ 2021/فرانس برس)

+ الخط -

مع تقدّم قوات المعارضة الإثيوبية، تسارعت إعلاناتٌ متتاليةٌ في أديس أبابا، لفرض حالة الطوارئ، وبدء حملة تجنيد واسعة لمنع سقوط الحكومة. وبالنظر إلى سير الحرب الدائرة منذ 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، تثير هذه التطورات النقاش بشأن تداعيات الصراع على مستقبل إثيوبيا كياناً سياسياً في ظل حربٍ أهليةٍ مشحونة بالعداء الإثني.

الحرب المُتبادلة
أدركت جبهة التيغراي (TPLF) مبكّراً مخاطر تحالف رئيس الحكومة، أبي أحمد، مع رئيس إريتريا، أسياس أفورقي. ولذلك  رفضت في 2019  الالتحاق بحزب الازدهار، بديلاً عن الجبهة الثورية، كما قاطعت الانتخابات التشريعية، وعقدت انتخابات مستقلة محلية وتشريعية في إقليم التيغراي، وبعدها بدأت الجبهة عمليات طرد الجيش الفيدرالي، 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، من الإقليم، خياراً وحيداً اضطرت فيه لاستخدام السلاح. أدّت هذه التداعيات إلى سعي الحكومة الفيدرالية لإخضاع الإقليم ومكافحة الجبهة وتدميرها، وبدأت حربها في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 تحت مظلة تسليم سلطة الإقليم لمجموعة موالية لحزب الازدهار، واعتبر البرلمان الفيدرالي في السابع من الشهر نفسه حكومة التيغراي غير شرعية ومنظمة إرهابية.
ومع تداعيات الحرب، اتبعت الحكومة سياسة إبعاد التيغراي من المواقع الرسمية. وعلى وجه مقابل، حاولت الحكومة تكوين تنظيم معارض لجبهة التيغراي. تبدو هذه السياسة غير متكاملة وتقليدية، انحرفت نتائجها عن الغرض من تدشينها، فقد أحيت الوعي الجمعي لدى التيغراي بالاضطهاد من الحكومة المركزية، ما أعاد الاعتبار لجبهة التيغراي مركزاً للعملين، السياسي والعسكري.

صارت السيطرة على التيغراي تحدّياً للحكومة الفيدرالية، بحيث لم تستطع حماية مرافق (ومُعدّات) الأمم المتحدة العاملة في نطاق الإغاثة

وفي ظل تعثر العمليات العسكرية وتنامي الوجود الإريتري بجانب الضغوط الدولية، أعلنت الحكومة الفيدرالية وقفا مؤقتا لإطلاق النار، وسحب قواتها من إقليم التيغراي في نهاية يونيو/ حزيران الماضي، لكنها عدلت عنه في 10 أغسطس/ آب الماضي. ويمكن النظر إلى هذه العملية من دون محاولة للخروج من فخ حرب العصابات، وتجنب تفكك الجيش. ومع طول الفترة، صارت السيطرة على التيغراي تحدّياً للحكومة الفيدرالية، بحيث لم تستطع حماية مرافق (ومُعدّات) الأمم المتحدة العاملة في نطاق الإغاثة، وتحويلها لأغراض القتال، فمنذ سحب الجيش، انكمشت العمليات العسكرية على الغارات الجوية المتقطعة، بحيث فقدت إمكانية العودة مرة أخرى. وترى إثيوبيا أن وقف إطلاق النار الإنساني من جانب واحد كان فرصةً لمراجعة الحرب، لكنه لم يلق استجابة من جبهة التيغراي والمجتمع الدولي لتهيئة البيئة للحوار والسلام.

الوساطة الدولية المحدودة
على خلفية مجريات الحرب، خفّضت الولايات المتحدة مستوى المساعدات لإثيوبيا، وأيضاً المزايا التجارية، وتعليق امتيازات إثيوبيا على قانون النمو والفرص في أفريقيا. وهي صورةٌ تقترب من العقوبات السياسية والاقتصادية. يكشف هذا السلوك عن رغبة الولايات المتحدة في تقييد تصرّفات الحكومة الإثيوبية، فيما تتجنب الحديث عن انتهاكات الجماعات المسلحة الأخرى.
وبدا موقف الحكومة الإثيوبية من الوساطة الأميركية متذبذباً، ولدى تصريح وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، بوجود فرصة للسلام ووجوب وضع نهاية للحرب، حتى لا تتحول إلى أزمة إقليمية، تجنّب متحدثا الحكومة وجبهة التيغراي التعليق. وفي سياق مماثل، لقيت محاولات المبعوث الأميركي، جيفري فيلتمان، اهتماماً من رئيس الوزراء، أبي أحمد، فيما لقاءات أخرى جرت على مستوى سياسي أدنى حتى وصلت لعدم الاستجابة للمقترحات الأميركية. قد ترجع حالة التذبذب الإثيوبي لانخفاض الثقة في الدور الأميركي باعتباره "حيلة دعائية" أقرب لمواقف الجبهة وحلفائها.

سعت الحكومة إلى تفسير حالة الطوارئ في تطمينات للبعثات الدبلوماسية على عدم تقييد بالحصانات، وباستقرار هذه القواعد في العلاقات الدولية

وبدت الوساطة الأفريقية محاولة لضبط الصراع، غير أنها لقيت استجابة محدودة. فلم تؤد وساطة الجزائر ونيجيريا لفتح طريق للتفاوض، بل على خلاف ذلك، بدت محاولات الأطراف المختلفة توسيع نطاق المعارك في الأقاليم المختلفة. وفي نطاق وساطات نيجيريا وكينيا وعروض السلام الإقليمية، وضعت شروطاً للسلام، أولها وقف توسيع الصراع العسكري للتيغراي والانسحاب من الأراضي التي توغلت فيها ووقف التواصل مع القوى المعادية، بجانب الاعتراف بشرعية الحكومة وحسن النية في معالجة القضايا المطروحة.

خط الدفاع الأخير
مع اقتراب قوات المعارضة من العاصمة، أعلنت إثيوبيا فرض حالة الطوارئ، الإحاطة الصحافية للمتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية الإثيوبية، 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، لمواجهة تراجع الجيش الفيدرالي، واقتراب الجماعات المعارضة من العاصمة، أديس أبابا. وبدت الحكومة تتصرّف تحت ضغط تطور العمليات الميدانية اليومية من دون امتلاك استراتيجية لإعادة التموضع أو التفاوض مع الجماعات العسكرية المحمية بتحالفات إثنية. وفي تبرير حالة الطوارئ التي أقرّها مجلس نواب الشعب، 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أشار وزير العدل إلى عدم كفاية القانون العادي لمواجهة التهديد الوجودي للسيادة وللسلامة الإقليمية. ويقع اختصاص تطبيق القانون ضمن مهام رئيس أركان قوات الدفاع الوطنية، يعاونه ممثلون عن هيئات إنفاذ القانون في البلاد.
وفي سياق تداعيات الحرب، سعت الحكومة إلى تفسير حالة الطوارئ في تطمينات للبعثات الدبلوماسية على عدم تقييد بالحصانات، وباستقرار هذه القواعد في العلاقات الدولية، وعدم خضوعها للقانون الداخلي، تبدو إثارة إثيوبيا لها نوعاً من تطمين البعثات الأجنبية، ليس لاحتمال خضوعها لحالة الطورائ، وإنما لكسب الثقة والاعتراف بقدرة الحكومة على تأمينها ومباشرة مهامها، فقد جاءت تلك التوضيحات ردّاً على حملات إعلامية روجت مخاوف الدبلوماسيين والموظفين الأجانب، لكنه على الرغم من تتابع التطمينات بسيطرة الحكومة، أصدرت بعثات عديدة نشرات توصي بمغادرة الرعايا الأجانب من كل مناطق إثيوبيا. وتكتمل حلقات الأزمة بإعلان أبي أحمد المشاركة في الحرب، ما يُعد تعبيراً عن فشل مؤسّسي يعكس القلق من انفراط الجيش وانكشاف الدفاع عن العاصمة. ويمكن النظر لتكثيف الهجمات الجوية على التيغراي نوعاً من اليأس العسكري والسياسي.

التحضير للانتقال إلى السياسة
بعد سنوات من التململ التنظيمي، ساهمت الحرب الجارية في توحيد جبهة التيغراي، وصارت أقرب إلى استعادة علاقاتها التقليدية مع القوميات الإثيوبية، وذلك باستثناء تصنيفها جماعة الأمهرا أعداءً، ويمثل بقاء جيدي زراتسيون رئيساً للجبهة تعبيراً عن تواصل أنماطها الفكرية والسياسية، والتي تقوم على أولوية العودة إلى حكم إثيوبيا وتشكيل الوضع السياسي.

يُعد غياب ممثل عن الأمهرا في تحالف الجبهة المتحدة تحديا أمام استعادة الفيدرالية الإثنية أو بناء النظام الجديد

وفي 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، سعت جبهة التيغراي لتدشين نقلة نوعية في إدارة الحرب، عندما أعلنت عن تحالف "الجبهة المتحدة  للقوى الإثيوبية الفيدرالية والكونفدرالية"، (the United Front of Ethiopian Federalist and Confederalist Forces)، ويضم تسع حركات شملت؛ جبهة التيغراي، جيش تحرير الأورومو (OLA)، حركة أجاو الديمقراطية (ADM)، الجبهة الموحدة الثورية الديمقراطية العفرية (ARDUF)، الحركة الشعبية لتحرير بني شنجول (BPLM)، الجيش الشعبي لتحرير جامبيلا (GPLA)، حزب كيمات الديمقراطي (KDP)، الجبهة القومية لتحرير السيداما (SNLF)، مقاومة الإقليم الصومالي (SSR)، بحيث يغطي كل أقاليم إثيوبيا باستثناء الأمهرا.
وقد تشكل التحالف في واشنطن، فيما كان جيفري فيلتمان في أديس أبابا حيث التقى نائب رئيس الوزراء ووزيري الدفاع والمالية، وثمة احتمال بارتباط تطورات التحالف بفشل المحادثات الأميركية الإثيوبية. ويُعد غياب ممثل عن الأمهرا في تحالف الجبهة المتحدة تحديا أمام استعادة الفيدرالية الإثنية أو بناء النظام الجديد. ويرجع هذا التحدي إلى أن تنامي العداء بين الجماعتين، بسبب تحالف الأمهرا وحكومة أبي أحمد، يفرض نوعاً من الصراع الإثني من المرجّح استمراره لفترة طويلة، بدت ملامحها قبل عامين في المحاولة الانقلابية وتزايد النزعة القومية. في السابق، أقامت تحالفها الإثني على وجود "الحركة الديمقراطية" ممثلة عن جماعة الأمهرا، ما سَهل بسط تحالف الجبهة الثورية سيطرته على الإقليم. 
وضع التحالف هدف إسقاط أبي أحمد عبر وسيلتين؛ التفاوض أو القوة العسكرية وتشكيل حكومة انتقالية، فقد تشكّل التحالف تحت خيار واحد يقوم على ضرورة تغيير الوضع الراهن حتى لا تقع المعارضة تحت مقصلة الحكومة، وفقاً للمتحدث باسم جبهة التيغراي، برهانا جبرا، ومن ثم، يشكّل إسقاط الحكومة الفيدرالية الهدف المشترك للتحالف الجديد، فيما تتراجع قضايا العلاقات السياسية بين القوميات. وبغض النظر عن قناعة "الجبهة المتحدة" بالدعم الأميركي، ليس واضحاً طريقة عمله حيث لا يملك بعض أعضائه قوة قتالية أو برامج السياسية. وحسب بياناته الأولية، نشأ التحالف استجابة للأزمة التي ضربت القوميات المختلفة، وتكشف آثار نظام حكم أبي أحمد الفردي عن الحاجة للتعاون. ووفقاً لرئيس حركة أجاو الديمقراطية، أدماسو تيسجايا، يسعى التحالف إلى انتقال هادئ.

الميراث السلطوي وتحدّيات المستقبل
ترك حكم التيغراي على مدى عقدين كماً من العداوة والتفاوت بين الأقاليم المختلفة، فقد ظلت حالة التنافر سمة مُميزة للعلاقات السياسية والاجتماعية والدينية، ما يمكن اعتباره امتداداً لحكم الأمهرا، ساد فيه تهميش القوميات الأخرى، وانحسار مظاهرها الدينية. كما لازمته السياسات الصفرية في الصراع الأهلي، وتربّت أوضاع لا يمكن التوفيق بينها بسبب الظلامات الإثنية. ولذلك، صار الميراث التاريخي مصدراً للاعتداد القومي والتطلع إلى المساواة والحق في الحرية والحكم الذاتي.

يفرض الواقع الإثيوبي أن ثمّة تحدّيات تواجه عودة التيغراي إلى الحكم من أديس أبابا، في مقدمتها التوافق حول القيادة والمرحلة الانتقالية

وتكشف السياسة الإثيوبية المعاصرة عن انقسامات ثنائية، ما بين مؤيدي اللامركزية وأولئك الداعين إلى المركزية، وبين من يشيدون بالماضي التاريخي، وآخرين ينظرون إليه بألم وعار. وعلى أية حال، يمكن قراءة السياسة الإثيوبية ميراثاً طويلاً من النمط الصفري، حيث تؤدّي المفاوضات أو الحروب إلى هيمنة قومية إثنية على الجماعات الرئيسية أو الفرعية، حتى صار التمرّد والانتفاضة ضد الحكومة المركزية ظاهرة متكرّرة، أدّت إلى انتشار مطالب حق تقرير المصير والانفصال.
وفي هذا السياق، لم يصاحب انتقال السلطة لجماعة التيغراي تغيراً في الثقافة السياسية، فقد ظل النمط البدائي في عقلية الدولة سائداً في فترة ما بعد 1991، حيث صارت علاقات الهيمنة تُشكّل نمطاً مستقراً. ولذلك، صار العنف المنظم من الدولة أمرا طبيعيا في الانتخابات، كما تُعدّ الحرب الحالية امتداداً للتاريخ العنيف في مستوياته السياسية والاجتماعية. 
وبدت الفيدرالية الإثنية تعبيراً عن التعدّدية الإثنية، حيث تقوم على تمثيل القوميات في الحكومة المركزية حسب وزنها السكاني، مع إتاحة الفرصة لتقرير المصير، غير أن التطبيقات الدستورية سارت نحو تركيز السلطة والثروة لصالح جماعة التيغراي، في صيغةٍ مماثلة لتاريخ سلطة الأمهرا. وعلى مدى الفترة 1991 – 2015، ظل عنف الدولة والاستلاب الاقتصادي للقوميات الأخرى سمات لصيقة بالسياسات العامة. وبغض النظر عن عنف الدولة، ارتبط استمرار الفيدرالية الإثنية بقدرة رئيس الوزراء الأسبق، ميلس زيناوي، على إدارة التوازنات في الجبهة الثورية، الحزب الحاكم سابقاً، والتحالف مع الولايات المتحدة. وقد ساهمت هذه الأرضية في تعزيز إماكانات الدولة على الإكراه ومقاومة العصيان والتمرّد.
وبشكل عام، يفرض الواقع الإثيوبي أن ثمّة تحدّيات تواجه عودة التيغراي إلى الحكم من أديس أبابا، في مقدمتها التوافق حول القيادة والمرحلة الانتقالية، فمنذ وفاة زيناوي، ظلت مشكلة القيادة نقصاً في في ملء فراغ السلطة. في السابق، ساعدت قدرات زيناوي الأيديولوجية في بناء حركة متماسكة تنظيمياً، وابتكار حلول سياسية للمسألة القومية، وكان أقرب إلى القيادة الآسرة، غير أن إثيوبيا، في الوقت الحالي، تفتقر لنمط قيادي مشابه. وفيما كانت سنوات حكم رئيس الوزراء السابق، هيلامريام ديسالين، انتقالية وتقليدية، كما اتسمت محاولات أبي أحمد بالخروج على الفيدرالية الإثنية بالضعف الأيديولوجي، وانحسار البدائل السياسية، فحزب الازدهار مجرّد استنساخ لتجربة زيناوي، القائمة على تجميع الأحزاب الإقليمية، المحلية. ولذلك، يعد عدم القدرة على صياغة نموذج متكامل للفيدرالية فجوة في تطلعاته السياسية، تكمن تفاصيلها في أن وصول أبي أحمد إلى السلطة ارتكز على تحالف هشّ بين الأمهرا والأورومو.

استهلكت العقود الماضية كل أفكار الفيدرالية الإثنية، ولم تظهر منذ 2015 صيغ أو اجتهادات بديلة

ويتمثل التحدّي الثاني في القدرة على بقاء التحالف مع الأورومو والجماعات الطرفية الحدودية. يختلف الوضع الحالي عن 1991 من جانبين؛ يتمثل الأول في وضوح الدعم الدولي لجبهة التيغراي، للوصول إلى السلطة ضمن تحالف واسع يسمح بانفصال إريتريا، فيما الوضع الحالي يمثل التنافس الدولي عائقاً يحول دون حسم الوضع النهائي لصالح التيغراي منفردين بالسلطة. ويظهر الجانب الثاني في اختلاف حالة القوميات، فبينما كانت سابقاً متضامنةً حول إسقاط رئيس إثيوبيا، منغستو هيلا مريام، عبر تحالف قريب أيديولوجياً من جبهة التيغراي وعماده أسرى الحرب، فإن تحالف الجبهة المتحدة يبدو هشّاً وغير قادر على الاستجابة للتطلعات القومية، وخصوصاً في ظل مرور إثيوبيا بالخبرة السلطوية للتيغراي في السلطة.
ويرتبط التحدي الأخير بغموض الخيال حول المسألة الإثنية، فقد استهلكت العقود الماضية كل أفكار الفيدرالية الإثنية، ولم تظهر منذ 2015 صيغ أو اجتهادات بديلة، بل استمرّ الصراع للتخلص من أي هيمنةٍ إثنيةٍ محتملة. ولذلك، نشبت صراعات مبعثرة اتحدت، أخيرا، بشأن تعريف أبي أحمد مشكلة سياسية، لكنه ليس ثمّة تفاهم على المرحلة التالية. قد تؤدّي صيغة "الجبهة المتحدة" إلى طرح صيغة الكونفدرالية وتحويل إثيوبيا إلى نمط ما بعد الفيدرالية، وهي صيغة متطوّرة عن الحكم الذاتي وأقل من الانفصال، غير أنها لا تضمن استمرار بقاء القوميات تحت العلم الإثيوبي.
وفي غياب إطار فكري، يُمثل توزيع السلطة والثروة تحدّياً متجدّداً في المرحلة الجديدة. وما طرح حول الفيدرالية والكونفدرالية لا يتعدى قشور أفكار لأزمة سياسية مُركبة. يترتب على ذلك احتمالان، تباين القوميات حول الوحدة وزيادة التدخل الدولي لبقاء الكيان الإثيوبي موحّداً. وبهذا المعنى، يؤدّي وصول المعارضة تفاوضياً أو عسكرياً إلى أديس أبابا لوضع السياسة في إثيوبيا أمام مفترق طرق تضطر فيها لتطوير صيغة التعايش المشترك، أو بدء دورة أخرى من الحرب الأهلية.

5DF040BC-1DB4-4A19-BAE0-BB5A6E4C1C83
خيري عمر

استاذ العلوم السياسية في جامعة صقريا، حصل على الدكتوراة والماجستير في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وعمل باحثاً في عدة مراكز بحثية. ونشر مقالات وبحوثاً عديدة عن السياسية في أفريقيا ومصر والشرق الأوسط .